وفي نهج البلاغة في ذكر أصحاب الجمل قال: " فوالله لو لم يصيبوا من المسلمين إلا رجلا واحدا معتمدين لقتله بلا جرم جره لحل لي قتل ذلك الجيش كله، إذا حضروه فلم ينكروا ولم يدفعوا عنه بلسان ولا بيد. " (1) فتأمل، إذ لعل القتل فيه كان للبغي لا للقصاص.
الرابع والعشرون - الأسراء:
1 - ففي سنن البيهقي بسنده، عن أبي هريرة، قال: " بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خيلا نحو أرض نجد، فجاءت برجل يقال له ثمامة بن أثال الحنفي سيد أهل اليمامة، فربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: ما عندك يا ثمامة؟ قال:
عندي يا محمد خير; إن تقتلني تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن ترد المال فسل تعط منه ما شئت. فتركه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى إذا كان من الغد. ثم قال: ما عندك يا ثمامة؟ فقال: عندي ما قلت لك، فردها عليه. ثم أتاه اليوم الثالث فردها عليه، فقام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أطلقوا ثمامة. فخرج ثمامة إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل من الماء ثم دخل المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله. يا محمد، والله ما كان على وجه الأرض وجه أبغض إلى من وجهك وقد أصبح وجهك أحب الوجوه إلى. والله ما كان دين أبغض إلى من دينك وقد أصبح دينك أحب الأديان إلى... " (2) أقول: فانظر إلى تأثير عفو الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وإغماضه في روح هذا الرجل وفكره، و هكذا ينبغي أن يعمل الكرام لا أن يصروا في المجازات والانتقام.
2 - وروى البيهقي أيضا بسنده، عن ابن عباس، قال: " لما أمسى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم بدر والأسارى محبوسون بالوثائق بات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ساهرا أول الليل، فقال له أصحابه: يا رسول الله، مالك لا تنام؟ - وقد أسر العباس رجل