12 - استقلال القاضي:
لا يخفى أن انسجام النظام وسلامة الملك والمجتمع يتوقف على سلامة أمر القضاء و قوته، كما مر.
ولا يحصل ذلك إلا باستقلال القاضي وقوته في السياسة والاقتصاد حتى لا يطمع أحد في إجباره وإخضاعه أو استمالته وإطماعه.
وقد ألفت أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى هذه النكتة المهمة في عهده إلى مالك، فقال عقيب الإشارة إلى مواصفات من ينتخب للقضاء: " ثم أكثر تعاهد قضائه وافسح له في البذل ما يزيل علته وتقل معه حاجته إلى الناس. وأعطه من المنزلة لديك ما لا يطمع فيه غيره من خاصتك ليأمن بذلك اغتيال الرجال له عندك، فانظر في ذلك نظرا بليغا. " (1) وبالجملة، فيجب أن يكون القاضي مستقلا في الفكر والإرادة، قويا في التصميم و القرار، غير متأثر بشيء من السلطات السياسية والاقتصادية.
وإنما عدت سلطة القضاء مستقلة عن سلطة التنفيذ لئلا تتأثر عنها ولتعم سلطته مراتب سلطة التنفيذ فيهاب، منها جميع الوزراء والعمال والأمراء، بل قد رأيت أن أمير المؤمنين (عليه السلام) أيضا في عصر خلافته حضر مجلس قضاء شريح مع خصمه اليهودي.
فيعلم بذلك أهمية موقعية القاضي. ولولا ذلك لأثرت السلطات السياسية أو الاقتصادية في أمر القضاء والقضاة، فتدبر.