ومن الأسف أنه قد يتفوه بالانفكاك المذكور بعض البسطاء والمقلدة من المسلمين أيضا ممن لم يعرف الدين ولا السياسة.
وكيف كان فبالجمع بين الشؤون الدينية والسياسية في الروايات المذكورة يعرف أن إمام المسلمين هو المرجع لهم في دينهم وثقافتهم وسياستهم والدفاع عنهم، كما كان كذلك النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
نعم، ليس معنى ذلك أن الإمام بنفسه يتصدى لجميع الشؤون بالمباشرة. بل كلما اتسع نطاق الملك وزادت التكاليف تكثرت الدوائر والمؤسسات والأجهزة، وتوجد قهرا سلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية على أساس الحاجة، ويحال كل أمر إلى مؤسسة تناسبه. ولكن الإمام والحاكم بمنزلة رأس المخروط يحيط بجميعها ويشرف على الجميع إشرافا تاما، فهو المسؤول والمكلف كما يأتي بيان ذلك في بعض الفصول الآتية.
الأمر الثاني:
إن الحاكم إنما يتصدى ويتدخل في الأمور العامة الاجتماعية التي لابد منها للمجتمع بما هو مجتمع، ولا ترتبط بشخص خاص حتى يكون هو المتصدي لها.
وأما الأمور والأحوال غير العامة كالزراعة والصناعة والتجارة والأرزاق و المسكن والمصنع واللباس والزواج والتعليم والتعلم والمسافرات والاحتفالات و نحو ذلك من الأمور المتعلقة بالأشخاص والعائلات فالناس في انتخابها وانتخاب أنواعها وكيفياتها أحرار، ولكل منهم أن يختار ما يريده ويهواه ما لم يكن فيه منع شرعي.
فمصالح الأفراد والمجتمعات تقضي بترك الأفراد أحرارا في نشاطاتهم، ويكتفى بمساعدتهم ومراقبتهم فحسب، إذ يساعد ذلك على الابتكار وكثرة الإنتاج والتقدم،