أقول: لا يخفى أن ظاهر أكثر كلمات أهل اللغة وفقهاء الفريقين اختصاص التعزير بالضرب والعقوبة البدنية، وربما يظهر من بعضها شموله لمثل الإهانة والتهديد والتوبيخ ونحوها أيضا. وسيأتي تفصيل ذلك، فانتظر.
الجهة الرابعة:
في أن التعزير يراد به الضرب والإيلام، أو مطلق التأديب؟
قد عرفت في الجهة الثالثة أن العزر والتعزير في كلمات أهل اللغة فسرا بالتوقير، و بالمنع، والرد، واللوم، والتأديب، والتوقيف.
وفي الصحاح:
" التعزير أيضا: التأديب، ومنه سمي الضرب دون الحد تعزيرا. " وفي لسان العرب:
" والعزر والتعزير: ضرب دون الحد، لمنعه الجاني من المعاودة... وأصل التعزير:
التأديب، ولهذا يسمى الضرب دون الحد تعزيرا، إنما هو أدب. " فيظهر من تتبع أكثر كلمات أهل اللغة أن اللفظ بحسب الوضع لم يوضع للضرب، بل للمنع والتأديب ونحوهما، وإنما استعمل في الضرب بعناية كونه من مصاديق المفهوم الذي وضع له اللفظ.
نعم، يظهر من أكثر كلمات الفقهاء كونه بمعنى الضرب الذي دون الحد، كما أنه الظاهر من بعض كلمات أهل اللغة كالقاموس أيضا، ولعله المفهوم منه في الاستعمالات العرفية في أعصارنا.
ولكن يظهر من بعض الفقهاء ولا سيما فقهاء السنة كونه بحسب الاصطلاح أيضا بمعنى مطلق ما يتحقق به المنع والتأديب; فيشمل التوبيخ والتهديد والحبس والمجازاة المالية. فليس في المقام نقل ولا حقيقة شرعية، بل الملحوظ نفس المفهوم