ويظهر بما ذكر أيضا أن ما ذكره الأستاذ الإمام - مد ظله - في بيان مفاد المقبولة و تقريب دلالتها على نصب الفقيه للقضاء والولاية الكبرى معا، بتقسيم المنازعات و إرجاع بعضها إلى القضاة وبعضها إلى الولاة، محل إشكال، فإن المنازعات ولو كانت للمطل والظلم على الضعيف كانت إلى القضاة.
وقد مر تفصيل الكلام في الفصل الثالث من الباب الخامس في تقريب دلالة المقبولة على الولاية، فراجع.
15 - في ولاية المظالم:
قد عقد الماوردي في الأحكام السلطانية بعد باب القضاء بابا باسم ولاية المظالم، و مثله أبو يعلى الفراء في كتابه. وهي - كما يظهر لك مما نذكر - تكون من متممات القضاء و تكون المرجع الأعلى للشكايات والمظالم التي لا يقدر القضاة على حلها، أو لمظالم نفس القضاة.
ونظيرها في عصرنا وبلادنا - بوجه ما - مجموع الديوان العالي والمحكمة العليا، و ديوان العدالة، وإدارة التفتيش عن مظالم الموظفين. ولعلها بوحدتها تتضمن جميع ذلك.
قال الماوردي ما ملخصه:
" ونظر المظالم هو قود المتظالمين إلى التناصف بالرهبة، وزجر المتنازعين عن التجاحد بالهيبة، فكان من شروط الناظر فيها أن يكون جليل القدر، نافذ الأمر، عظيم الهيبة، ظاهر العفة، قليل الطمع، كثير الورع، لأنه يحتاج في نظره إلى سطوة الحماة وثبت القضاة، فيحتاج إلى الجمع بين صفات الفريقين، وأن يكون بجلالة القدر نافذ الأمر في الجهتين.
فإن كان ممن يملك الأمور العامة كالوزراء والأمراء لم يحتج النظر فيها إلى تقليد، و كان له بعموم ولايته النظر فيها.