من جهة كشفه عن قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة - عليهم السلام - وتلقي المسألة منهم. وإذا كان المكشوف بذاته قطعيا عندنا فلا حاجة فيه إلى الكاشف والكشف، فتدبر.
وأما العقل فبيانه إجمالا هو أن العقل يحكم بوجوب حفظ النظام وصيانة الحقوق و المصالح العامة، وواضح أنه لا يحصل هذا الغرض إلا بدولة عادلة مطاعة مقتدرة تحقق مصالحهم وترفع شرور العتاة والظالمين عنهم، وحبس الجاني وإن كان فيه ضرر لنفس المحبوس ويكون منافيا لسلطة الناس على نفوسهم وجميع شؤونهم ولكن إطلاقه تهديد لأمن العامة وتضييع لحقوقهم، فيحكم العقل السليم بوجوب تقديم المصالح العامة على مصلحة الفرد وحبس الجاني لحفظها ورفع شره، وكل ما حكم به العقل حكم به الشرع، كما حقق في محله. فتلخص من جميع ما ذكرناه مشروعية الحبس، بل وجوبه وضرورته إجمالا.
الجهة الثالثة:
في أول من بنى السجن في الإسلام:
قد عرفت أن الحبس كان متعارفا في عصر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولكن مفهوم الحبس كما مر لا يلازم وجود مكان خاص ممحض له، بل كان يمكن أن يقع في بيت أو مسجد أو دهليز أو نحو ذلك من الأماكن، ولم يكن الغرض منه إلا تحديد الشخص ومنعه من التصرف و الانبعاث.
وقد وقع الكلام في تعيين أول من أحدث السجن في الإسلام، فقيل: إنه عمر. وقيل:
إنه على (عليه السلام). فلنذكر بعض ما قيل في المقام وإن لم تترتب عليه فائدة فقهية مهمة: