الثالثة من السلطات الثلاث: السلطة القضائية وفيها جهات من البحث:
1 - الحاجة إليها:
لا يخفى على من راجع تواريخ الأمم والأجيال في العالم أن لأمر القضاء وفصل الخصومات مكانة خاصة حساسة في جميع الأمم والمجتمعات البشرية. إذ عليه وعلى سلامة نظامه تبنى سلامة المجتمع وأمنه واستقرار العدل فيه وحفظ الحقوق والحرمات.
ولو لم ينسجم انسجاما سالما، أو فوض أمره إلى غير أهله فشا الجور والفساد و ضاعت الحقوق وضعفت الدولة. بل ربما أعقب ذلك سقوطها وزوالها.
والسر في ذلك أن عالم الطبيعة عالم التزاحم والتصادم، والإنسان في طبعه مجبول على الولع والطمع، وقد زين له حب الشهوات من النساء والضياع والأموال، و " يشيب ابن آدم وتشب فيه خصلتان: الحرص وطول الأمل. " (1) فربما يستفيد الشخص من قوته وقدرته أو من غفلة غيره استفادة سوء فينزو على أموال الناس وحقوقهم. هذا.
مضافا إلى أنه قد يشتبه الأمر عليه فيتسلط على مال غيره عن جهل وشبهة، و يستعقب ذلك التنازع والبغضاء، بل ربما يؤول الأمر إلى القتال وإتلاف النفوس و الأموال.
فلا محيص عن وجود سلطة عالمة عادلة نافذ الأمر تصلح بينهم أو تقضي بينهم