الفصل الرابع:
في مراقبة الأمة في حاجاتها وخلاتها وشكاياتها وما تتوقعه من الحكومة المركزية وفي تعهداتها للحكومة وما تتوقعه الحكومة منها:
اعلم أن تأسيس الدولة عندنا ليس لإعمال السلطة والقدرة على العباد والاستبداد عليهم من الحاكم بما شاء وأراد، بل لإدارة أمور الأمة بالقسط والعدل على طبق موازين الشرع ومصالح الأمة. فالغرض منها إصلاح أمر الأمة. وما هو الحافظ للدولة والضامن لقدرتها على التنفيذ هو قوة الأمة ودفاعها، فلا محالة يتعين وجود الارتباط التام بين الحكومة والأمة والتعرف على حاجات الطرفين وتوقعاتهما بوسائط منصوبة أو منتخبة يراقبون الأمة ويترددون بينها وبين الحكومة.
وقد كان يطلق في الأعصار الأول للإسلام على هذه الوسائط اسم النقباء والعرفاء. و في بعض الأخبار الواردة وإن ورد ذم العرافة، ولكنها نظير الأخبار الواردة في ذم الإمارة لايراد بالعرافة فيها إلا ما كانت من قبل حكام الجور للتعرف على من يخالفهم من أهل الصدق والإيمان كما يظهر ذلك بمراجعة أخبار الباب، وإلا فرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و كذا أمير المؤمنين (عليه السلام) أمضيا في حكمهما وسياستهما لأمور الأمة أمر النقابة والعرافة، كما سيظهر:
1 - ففي سيرة ابن هشام: " أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حين ما بايعه أهل المدينة في العقبة الثانية قال لهم: " أخرجوا إلى منكم اثنى عشر نقيبا ليكونوا على قومهم بما فيهم.
فأخرجوا منهم اثنى عشر نقيبا: تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس... إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال للنقباء: أنتم على قومكم بما فيهم كفلاء ككفالة الحواريين لعيسى بن مريم، وأنا كفيل على قومي - يعني المسلمين -. قالوا: نعم. " (1)