الجهة الحادية عشرة:
في حكم جاسوس العدو:
من المسائل المهمة التي تبتلى بها الأنظمة والدول استخبارات العدو الأجنبي بأياديه وجواسيسه الداخلية والخارجية النافذة في المجتمعات والدوائر والجنود ومراكز التصميم والقرار.
والخسارة المترتبة عليها كثيرة ولا سيما في المعارك والحروب، فيجب على الحاكم المدبر العاقل مراقبة أعمال الأفراد وحركاتهم والتهيؤ الدائم في قبالها. إذ رب غفلة عن ذلك توجب هزيمة فظيعة وخسارة فادحة لا يجبرها شيء، ولعل قوله - تعالى - بعد الأمر بإعداد القوة في قبال الكفار: " وآخرين من دونهم لا تعلمونهم، الله يعلمهم " ناظر إلى هذا الطابور الخامس والشبكة الداخلية التي يستخدمها العدو للتجسس والاطلاع على إمكانات المسلمين وروحياتهم.
ويظهر من الآثار والروايات الإسلامية أن الجزاء المناسب لهذا الذنب العظيم هو القتل والإعدام إلا أن يعفى عنه لجهات مبررة له، فإن عظم الجناية وجزاءها متناسبان للشرور والخسارات المترتبة عليها. فلنذكر بعض الروايات:
1 - بعدما نقض المشركون معاهدة الحديبية ورأى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عنادهم للإسلام و منعهم عن بسط الحق والعدالة، صمم (صلى الله عليه وآله وسلم) على فتح مكة ورفع شرهم وكسر شوكتهم بمفاجأتهم والوقوع عليهم بلا تهيؤ منهم، فأعلم الناس أنه سائر إلى مكة، وأمرهم بالجد و التهيؤ، وقال: " اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها. " فتجهز الناس، فلما أجمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المسير إلى مكة كتب حاطب بن أبي بلتعة كتابا إلى قريش يخبرهم بالذي أجمع عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم أعطاه امرأة وجعل لها جعلا على أن تبلغه قريشا، فجعلته في رأسها ثم فتلت عليه قرونها