الفاعل والإعراض عنه. وقصده لا محالة أن يكون ذلك في آخر الأمر أو أول الأمر بعد العلم بعدم تأثير اللسان واليد أو عدم إمكانهما، فتدبر.
الجهة الثامنة:
في رفع توهم وشبهة:
قد يتوهم أن قوله - تعالى -: " يا أيها الذين آمنوا، عليكم أنفسكم. لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون " (1) يدل على أن الإنسان إذا لزم بيته وأصلح نفسه فلا يبال بما يقع في المجتمع من الفساد والضلال، فيعارض ظاهر الآية ما مر من الدليل على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وفيه أنه لا يمكن رفع اليد عن الآيات الكثيرة، والأخبار المتواترة، وإجماع المسلمين بهذا الظهور المتوهم. بل الظاهر أن المقصود بالآية بيان أنه يجب على الإنسان أن يكون مستقلا في فكره وإرادته، وأنه إذا فرض ضلال أفراد المجتمع أو بعضهم فليس له أن يجعل نفسه تابعا لهم ومهضوما فيهم كما هو المتعارف في أكثر المجتمعات، بل يجب على كل فرد أن يهتدي بهدى الله ويعمل بوظائفه المقررة من قبله التي من أهمها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمقدار القدرة، وإذا فعل ذلك نفعه هداه قهرا و لم يضره ضلال من ضل، فإن الحق حق يثاب عليه وإن أعرض عنه الأكثر، والباطل باطل يعاقب عليه وإن أقبل إليه الأكثر.
وفي نهج البلاغة: " أيها الناس، لا تستوحشوا في طريق الهدى لقلة أهله، فإن الناس قد اجتمعوا على مائدة شبعها قصير وجوعها طويل. " (2) هذا.