الفصل الثالث في سيرة الإمام في مطعمه وملبسه وإعراضه عن الدنيا وزخارفها 1 - ففي نهج البلاغة: " وكذلك من عظمت الدنيا في عينه وكبر موقعها في قلبه آثرها على الله فانقطع إليها وصار عبدا لها. وقد كان في رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كاف لك في الأسوة، و دليل لك على ذم الدنيا وعيبها، وكثرة مخازيها ومساويها، إذ قبضت عنه أطرافها و وطئت لغيره أكنافها، وفطم عن رضاعها، وزوي عن زخارفها.
وإن شئت ثنيت بموسى كليم الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ يقول: " رب إني لما أنزلت إلى من خير فقير. " والله ما سأله إلا خبزا يأكله، لأنه كان يأكل بقلة الأرض. ولقد كانت خضرة البقل ترى من شفيف صفاق بطنه لهزاله وتشذب لحمه.
وإن شئت ثلثت بداود (صلى الله عليه وآله وسلم) صاحب المزامير، وقارئ أهل الجنة، فلقد كان يعمل سفائف الخوص بيده ويقول لجلسائه: أيكم يكفيني بيعها؟ ويأكل قرص الشعير من ثمنها.
وإن شئت قلت في عيسى بن مريم (عليه السلام)، فلقد كان يتوسد الحجر ويلبس الخشن، و يأكل الجشب، وكان إدامه الجوع وسراجه بالليل القمر، وظلاله في الشتاء مشارق الأرض ومغاربها، وفاكهته وريحانه ما تنبت الأرض للبهائم، ولم تكن له زوجة تفتنه، و لا ولد يحزنه، ولا مال يلفته، ولا طمع يذله، دابته رجلاه وخادمه يداه.