بواحد منهما أثر سمع قول من سبق بالدعوى، وإن كان بأحدهما أثر فقد ذهب بعضهم إلى أنه يبدأ بسماع دعوى من به الأثر ولا يراعي السبق. والذي عليه أكثر الفقهاء أنه يسمع قول أسبقهما بالدعوى. ويكون المبتدي بالمواثبة أعظمهما جرما وأغلظهما تأديبا...
فهذه أوجه يقع بها الفرق في الجرائم بين نظر الأمراء والقضاة في حال الاستبراء و قبل ثبوت الحد، لاختصاص الأمير بالسياسة، واختصاص القضاة بالأحكام. " (1) وذكر قريبا من ذلك أبو يعلى.
أقول: ربما يخطر بالبال أن الماوردي وأبا يعلى كانا فيما ذكراه من الاعتماد على أعوان الإمارة من غير تحقيق وجواز ضرب المتهمين لذلك، بصدد تبرير ما استقرت عليه سيرة الخلفاء والأمراء في الأعصار المختلفة من تعزير المتهمين وتعذيبهم بمجرد الاتهام، ولنا في ذلك بحث نتعرض له إجمالا بعقد مسائل:
المسألة الأولى:
الظاهر أن ضرب المتهم وتعزيره بمجرد الاتهام لكشف ما يحتمل أن يطلع عليه من فعل نفسه أو فعل غيره أو الحوادث والوقائع الخارجية ظلم في حقه واعتداء عليه، و يخالف هذا حكم الوجدان وسلطة الناس على أنفسهم، وأصالة البراءة عن التهم إلا أن تثبت بالدليل، وما دل من الأخبار على حرمة ضرب الناس وتعذيبهم:
1 - ففي صحيحة الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " إن أعتى الناس على الله - عز وجل - من قتل غير قاتله، ومن ضرب من لم يضربه. " (2)