وقوله عليه السلام أيضا على المحكي " إن الله عز وجل بعث ملكين إلى أهل مدينة ليقلباها على أهلها فلما انتهيا إلى المدينة وجدا فيها رجلا يدعو الله ويتضرع فقال أحد الملكين لصاحبه أما ترى هذا الداعي؟ فقال: قد رأيته ولكن أمضي لما أمر به ربي، فقال: لا ولكن لا أحدث شيئا حتى أراجع ربي، فعاد إلى الله تبارك وتعالى فقال: يا رب إني انتهيت إلى المدينة فوجدت عبدك فلانا يدعوك ويتضرع إليك فقال امض إلى ما أمرتك فإن ذا رجل لم يتمعر (أي لم يتغير) وجهه غضبا لي " (1) فتأمل.
فالمستفاد من الأخبار وجوب الانكار القلبي، وإن لم يكن داخلا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولم يتمكن من إظهاره لخوف ضرر يتوجه إليه ولم يترتب عليه أثر بالنسبة إلى تارك المعروف وفاعل المنكر بل الظاهر أنه من ظواهر الايمان والمرتبة الثانية والثالثة الانكار باللسان وباليد.
وادعي عدم الخلاف في وجوبهما مشروطا بما سبق من الشرائط ويدل على وجوبهما ما سبق من الأخبار وصرح جماعة بوجوب مراعاة الأيسر فالأيسر في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا يخفى أن الترتيب خلاف المطلقات وقد يستدل عليه بحرمة إيذاء المؤمن المقتصر في الخروج منها على مقدار ما يرتفع به الضرورة بل لعل قوله تعالى " فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله " باعتبار تقديم الصلح على أن التعارض بين اطلاق الأمر بالمعروف وبين النهي عن الاضرار بالمؤمن والايذاء له من وجه، والمعلوم من تخصيص الآخر بالأول حال الترتيب المذكور.
ويمكن أن يقال: أولا إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا اختصاص لهما بالمؤمن بل يجبان بالنسبة إلى غير المؤمن أيضا نعم لا فرق في الظلم بين المؤمن وغير المؤمن لكن ليس مطلق الايذاء ظلما، وثانيا إذا كان الغالب في النهي عن المنكر تأذي الفاعل للمنكر حيث يواجه بوجه مكفهر كما في الخبر أو بصك الوجه ولم يذكر في الأخبار الترتيب بالنحو المذكور كيف يستفاد الترتيب المذكور وما أفيد من أن