من جهة التضرر وعدم الوجوب لأجل أن وجوب الرد لجبران الضرر المغصوب منه فإذا استلزم ضررا على الغاصب وقع التعارض بين الضررين وكونه غاصبا لا يرجح على ضرر المغصوب منه.
وأورد عليه بأن استمرار الغصب كابتدائه لا يجوز باعتبار تضرر الشخص لو لم يغصب، ألا ترى أنه لو تضرر الشخص بألف لو لم يغصب أو يسرق فهل يجوز ذلك والسر أن الضرر إذا توجه إلى الغير ابتداء جاز دفعه عن النفس بارتكاب إضرار الغير وأما لو توجه إلى الشخص ابتداء وأمكن التخلص عنه باضرار الغير فلا يجوز ولو كان هذا الضرر أقل والدليل على ذلك حكم العقل فإنه يقبح مثل هذا الاضرار المقصود به دفع الضرر المتوجه إليه، وأيضا إذا كان نفي الضرر كنفي الحرج للامتنان اختص بغير هذا الضرر إذ لا امتنان في نفي هذا الضرر بتجويز إضرار الغير إلا بالنسبة إليه وهو معارض بكونه إساءة في حق الغير.
ويدل أيضا على وجوب رد المغصوب ولو استلزم أو توقف على ضرر كثير نواهي الاضرار نعم لو توقف أو استلزم ضررا غير مالي أمكن منع الوجوب لأن حفظ النفس والعرض يرجح على غيره ولو كان من حقوق الناس.
ويمكن أن يقال: إن استفدنا من دليل نفي الضرر عدم رضا الشارع بوقوعه أصلا وما يتراءى من التعارض ليس منه بل الباب باب التزاحم وفي باب التزاحم إذا وقع التزاحم بين الأقوى والأضعف لا يعامل معهما معاملة المتعارضين، ومن هذه الجهة إذا وقعت المزاحمة بين الضرر المالي المتوجه والضرر العرضي قيل بجواز دفع ضرر العرضي المتوجه إلى نفسه باضرار الغير بالضرر المالي كما أنه لو توقف حفظ النفس على الاضرار المالي بالغير ودار الأمر بين الضرر المالي القليل والكثير يقدم الضرر القليل لما اشتهر من أن حرمة مال المسلم كحرمة دمه، وعلى هذا إذا وقعت المزاحمة بين الضررين بتضرر الغاصب بألف مثلا وتضرر المغصوب منه بالعشرة يشكل الالتزام بلزوم تضرر الغاصب بلغ ما بلغ خصوصا مع أن الكلام ليس مخصوصا بصورة الغصب بل مطلق التصرف في مال الغير كالمأخوذ بالعقد الفاسد مع الجهل بالحكم