بين بياض الشحم وحمرة اللحم، وتوسط جسمه بين صلابة اللحم وليانة الشحم. ولهذه الجهة صار طعمه ألذ وجسمه أرخى وأهش وأسرع تفتيتا تحت اللسان منفوشا. ففي هذا دليل واضح على أنه، بإضافته إلى اللحم، أقل دما وأصلب جسما. ومن قبل ذلك صار إذا استحكم هضمه، كان الغذاء المتولد عنه أقرب من غذاء اللحم المختلط بالشحم، لأنه أدخل في غذاء اللحم الأحمر، وألين كثيرا.
وإذا لم يستحكم نضجه، كان الغذاء المتولد عنه أقرب من غذاء الشحم، وولد إما بلغما رقيقا، وإما غليظا من جنس الخام. والسبب في ذلك: اختلاف ما يتولد عن هذا اللحم الرخو واختلافه في نفسه في غلظه وصلابته ولطافته ولينه، وذلك أن ما كان منه ألين جسما وألطف جوهرا مثل الضرع والخصي والخلوب الذي في أصل الرقبة، ولد بلغما رقيقا سائلا. وما كان منه أعبل (1) جسما وأغلظ طبعا مثل اللحم الرخو الذي في ما بين الأسنان والنغانغ، ولد فضلا غليظا حاميا.
والسبب في اختلاف طبعه وجسمه حاجة الطباع إلى ذلك فيما أعدت له كل نوع. ولذلك صنعته على ثلاث: أحدها: أعدته لتوليد رطوبات احتاجت إليها في تولد الحيوان وتغذيته وتربيته مثل الخصي للمني، والضرع للبن. وصنف آخر أعدته لتوليد رطوبات تبل بها المواضع التي أعدتها لها لتسهيل حركتها عند الحاجة إليها، مثل اللحم الرخو الذي في أصل الأسنان والنغانغ. والصنف الثالث أعدته لتملأ به ما بين العروق وتحشو تلك المواضع بها لتشد العروق به وتستقر عليه وتقوى مثل اللحم الذي بين عروق الماساريقا والتي بين الكبد والمعاء الصائم والحلبوب الذي عن جنبي أصل القلب، والذي عن جنبي أصل الرقبة ليسد الأوداج والأوردة. ومن خاصة الحلبوب الذي في أصل الرقبة ان يكون في من صغر سنه من الحيوان أصغر سنا وأصلب لحما. وكلما ازداد الحيوان كبرا، ازدادت رطوبة هذا اللحم قلة وجسمه صلابة وصغرا. ويعم هذا الجنس كله لذاذة الطعم وهشاشة الجسم وسرعة التفتت (2) تحت اللسان، خلا الضرع فإنه إذا أعدم حرارة اللبن ورطوبته، غلبت عليه البرودة واليبوسة وقلت هشاشته ولذاذته وبعد انهضامه وولد دما غليظا للعصبية التي فيه بالطبع. وإذا تولد فيه اللبن استفاد من رطوبة اللبن وحلاوته لذاذة يتبينها آكله في طعمه، واكتسب اعتدالا في مزاجه وسرعة في انهضامه وجودة في غذائه، وبخاصة متى كان من حيوان أصح جسما وأخصب لحما، لان ما كان منه من حيوان كذلك، كان أعذب طعما وأكثر غذاء وأفضل جوهرا.
والمختار من صفته واستعماله أن يسلق بماء وملح وقضبان شبت وصعتر وفوذنج ونعنع ثم ينشف ماؤه بمنديل ويطلى بزيت وبن يسير ويشوى ويؤكل بالملح والصعتر والفوذنج والأفاويه لينحدر عن المعدة بسرعة.
وأما الخصي فإنها أعسر انهضاما من الضرع وبخاصة جلده لأنه أكثر عصبانية، وفيه مع ذلك