الغضاضة والفجاجة عليه أغلب، والحرارة فيه أزيد وأشد منها فيه إذا نضج. والقائل بمثل هذا القول يوجب في الحصرم زيادة الحرارة على العنب والزبيب وفي البلح زيادة الحرارة على الرطب، وبرودة الحصرم والبلح فظاهرة بينة غير مشكوك فيها. فالحصرم إذا أسخن من العنب والزبيب وأبرد منهما. وكذلك البلح أسخن من الرطب والتمر وأبرد منهما، وهذا خلف لا يمكن.
وإذ كنا قد وجدنا لجالينوس أيضا كلاما (1) ذكره في الفصل الذي تكلم فيه على الفلفل يناقض القول الأول، يدل على أن هذا الكلام ليس هو عن رأيه ولا عن مذهبه. وذلك أنه قال في آخر هذا الفصل:
وإن الفلفل الأسود قد نضج وصار كأنه قد احترق احتراقا مفرطا وبلغ من اليبس كذلك، ولا كلام أبين من هذا ولا أوضح، لأنه بإفراده الفلفل الأسود دون الأبيض بإفراط الاحتراق ما دل على أنه أشد حرارة وحرافة. ومما يدل على قوة هذا الكلام أيضا قول قاله ديسقيريدس فيهما وذلك أنه قال: إن الفلفل الأسود أشد حرافة وأقوى حرارة. والأبيض ألين حرارة وأشد قبضا لأنه يعد غضا (1) غير كامل النضج. والمختار من الفلفل الأسود ما كان حديثا رزينا ممتلئا حسن السواد سليما من الكسر نقيا من الاجزاء النخالية التي تصحب الفلفل العتيق دائما.
ومن منافعهما جميعا على سبيل الغذاء، أنهما إذا استعملا في الطبيخ والصباغات، فتقا شهوة الطعام وأعانا على جودة الهضم، لان قوتهما قوة قطاعة محللة. ومن منافعهما على سبيل الدواء أنهما إذا استعملا في الأشربة والمعجونات، نفعا من السعال المتقادم العارض من الرطوبات الغليظة، ونقيا ما كان في المعدة والصدر والرئة من البلغم اللزج وحللا الرياح والأمغاص المتولدة في البطن وأدر البول. وإذا استعملا في الاكحال، نفعا من الكيموس الغليظ المولد لظلام البصر. وإذا تغرغر بهما، أحدرا (3) من الرأس بلة بيضاء. وإذا تحملت المرأة شيئا منهما بعد الجماع، منع الحبل. وإذا شرب منهما شئ (4)، نفع من شرب المرتك (5) ومن الحميات ذوات الأدوار. وإذا مضغ أحدهما مع الزبيب الجبلي المعروف بحب الرأس، قطع البلغم ونفع من أوجاع الفم المتولدة عن البلغم اللزج. وإذا شرب [منهما] أو مسح بهما من خارج مع الدهن، نفع من النافض. وإذا قلي أحدهما وخلط بنطرون وعجنا بخل ثقيف وعمل منهما طلاء على البهق، نقاه. وقد ظن قوم بالزنجبيل أنه أصل شجرة الفلفل، ولم يكن ظنهم ذلك بصادق، من قبل أن أصل الفلفل شبيه بالقسط البحري، وهو أيضا يسخن ويلذع لذعا قويا ويجذب الرطوبات من بعد. وإذا طبخ بشراب وعمل منه ضماد على الطحال، حلل غلظه وأذبل ورمه العارض من الرطوبة الغليظة. وإذا مضغ مع الزبيب، قطع البلغم، إلا أن فعله في ذلك دون فعل الفلفل لان حرافته أضعف من حرارة الفلفل.