وأما الدارصيني على الحقيقة فجسمه أشحم وأثخن وأكثر تخلخلا من جسم القرفة على الحقيقة، كأن لحمه يكون على ثخن الخنصر مع دهنية فيه تظهر عند مضغه ودقه. وأما لونه فمتوسط بين حمرة القرفة على الحقيقة وسواد قرفة الفرنفل، إلا أنه إلى القرفة (1) أميل كثيرا وبها أشبه، لان حمرته أقوى من سواده وأظهر. وأما لون سطحه فيقرب من لون سطح السليخة الحمراء. وأما طعمه فإن أول ما يبدر للحاسة منه الحرافة مع يسير من قبض، ثم يتبع عذوبة ثم مرارة زعفرانية مع دهنية خفية فيها شئ من طعم دهن النيلوفر. وأما رائحته فمشاكلة لرائحة القرفة على الحقيقة. فإذا مضغته وشممته، ظهر لك منه شئ من رائحة الزعفران مع يسير من رائحة النيلوفر.
وقوة الدارصيني في الجملة في غاية اللطافة لا لأنه في الغاية من الحرارة لان حرارته في الدرجة الثالثة، لكن وجب له ذلك من عطريته وذكاء رائحته. وليس في شئ من الأدوية المشاكلة للدارصيني في طبيعته ومزاجه ما يجفف تجفيفه، وليس ذلك منه أيضا بإفراط يبسه لان يبسه في الدرجة الثالثة، لكن للطافة جوهره وطيب طعمه وقبول الأعضاء له بطول لبثه فيها. وكذلك صار مطيبا للمعدة ومقويا لها ومنشفا لرطوبتها ومفتحا لسددها ومدرا للبول والطمث جميعا، إلا أنه يسقط الأجنة متى شرب أو تحملته المرأة مع شئ من مر أحمر.
ومن منافعه أيضا أن شربه نافع من نهش الهوام، ومن شرب الأدوية القتالة، ومن السعال العارض من الرطوبة الغليظة، ومن النوازل المنحدرة من الرأس إلى الصدر والرئة، ومن وجع الكلى وعسر البول، ومن الاستسقاء الزقي والطبلي. وإذا اكتحل به، جلا البصر الذي سبب ضعفه الرطوبة. وقد يفعل مثل ذلك أيضا إذا أكل أو شرب. وإذا عمل منه لطوخ، نقى الكلف ونفع من البثور اللبنية العارضة في الوجه. ومن الأوائل من كان يسحقه ويعجنه بشراب ويجففه ويخزنه.
ودارصيني الصين في جميع ما ذكرنا ألطف وأحمد فعلا وأظهر تأثيرا من الدارصيني الضعيف. وأما القرفة على الحقيقة فمن خاصته أنه إذا شرب منه وزن درهمين بماء بارد، على الريق، منع نزف الدم المنبعث من بواسير المقعدة، وبخاصة القرفة الخشبية منه، لغلبة القبض والعفوصة عليها، وإن كان أكثر فعلها كذلك، إنما هو بخاصة فيها لا لطبعها فقط.