من أمر الفجل قولا عجيبا لأنهم يزعمون أنهم إذا أكلوه نيا بعد الطعام، انتفعوا به في حسن الاستمراء، ويزعمون أنهم امتحنوا ذلك مرارا بطول التجربة فوجدوه صحيحا. ثم أنكر ذلك في موضع آخر وقال:
ما علمت أن أحدا امتثل هذا الفعل إلا وجد ضرره. ولعل ظانا يظن أن بين قوله هذا وبين قوله الأول تناقض، فنعرفه بطلان ذلك من قبل أن حكمه في الابتداء إنما كان في المعدة الصحيحة القوية الهضم، البعيدة من تولد الرياح بالطبع، وحكمه في هذا الموضع إنما هو في من كان هضمه ضعيفا ومعدته كثيرة التولد للرياح دائما بالطبع، وطعامه أبدا طافيا إلى فم المعدة لان من كانت هذه حاله وتناول الفجل في آخر طعامه، من قبل أن الطعام إذا صار إلى معدة مولدة للرياح بالطبع، حملته الرياح عند ابتداء الطبخ فطفا وصار إلى أعلى المعدة. فإذا وافى الفجل هناك اختلط به وصار حكمه حكم الطعام الذي يوجد بعد أكل الفجل.
وأما القضبان التي (1) تخرج في قلوب الفجل في زمان الربيع المعروفة باللجلاج فإنها إذا أكلت مسلوقة بماء كافح (2) وملح وزيت انفاق، كان غذاؤها أكثر من غذاء الفجل الذي يؤكل نيا لان حرافتها تزول عنها في الماء الذي يسلق به وإن كان غذاؤها أيضا يسيرا جدا بالطبع، وشرب ماء الفجل ألطف من الفجل وأعون على جودة الهضم، لان جرم الفجل لغلظه وبعد انهضامه، يطول لبثه في المعدة. وإذا طال لبثه هناك، تعفن وعفن ما يصادفه فيها من الطعام. ومن قبل ذلك صار ورق الفجل ألطف من الفجل وأحمد غذاء لأنه أكثر مائية وأقل حرافة وأسرع انهضاما لما فيه من الرطوبة الفضلية المكتسبة من الماء.
ومن منافع الفجل على سبيل الدواء أنه إذا أكل، نفع من الخناق العارض من أكل الفطر القتال وإذا شرب ماؤه، أدر الطمث. وإذا خلط ماؤه بدقيق الشيلم وطلي على داء الثعلب، أنبت الشعر فيه.
وإذا طلي على النمش وعلى الخضرة العارضة في الوجه، نقاها ونفع من البثور اللبنية. وإذا عمل منه ضماد، نفع من لسعة العقرب والأفعى. وإذا عجن بعسل وحمل على القروح الخبيثة، نقى وسخها. وإذا حمل على الكمودة الكائنة تحت العين، أزالها. والمختار من الفجل ما كثر مائيته ورق جسمه وقل مقداره ولم يعظم. ومن خاصة الفجل النفع من اليرقان العارض عن سدد الطحال وغلظه، إذا شرب ماؤه بالسكنجبين. وإذا عمل منه ضماد على الطحال، فتح سدده وحلل غلظه.
وأما لحاء أصل الفجل فإنه ضار بأصحاب وجع المفاصل لحدته وحرافته إلا أنه إذا شرب بسكنجبين، كان أكثر تسهيلا للقئ وأوفق لأصحاب الاستسقاء من الورق والأصل جميعا، لأنه أشد حرافة وأكثر تلطيفا. ولذلك صار مرقا للبلغم ومذيبا له، وإن كان الورق والأصل يفعلان ذلك، فإن فعلهما دون فعل اللحاء كثيرا.