ومن منافعه على سبيل الدواء أن أكله نافع من الارتعاش ومن ضعف البصر العارض من الرطوبات الغليظة، إلا أنه يحدث في البصر الصحيح ظلاما، لأنه يجفف بعض رطوبته الغريزية، ويفعل في البصر فعل العدس إذا لم يواف رطوبة فضلية يفعل فيها إلا أن يكون في رطوبة العين الطبيعية من الزيادة ما يقابل فعله فلا يتبين أثره فيها وإن كان بين ما يتولد من الكرنب وبين ما يتولد من العدس فرق بين، من قبل أن ما يتولد من العدس أغلظ وأكثف وأبعد انحلالا وأقرب من السوداء. وذلك لصلابة جرم العدس واكتنازه وكثافته، وذلك لجفافه وعدمه الرطوبة التي كانت فيه وهو طري أخضر. وما يتولد من الكرنب أرق وأسرع انحلالا من قبل أن الكرنب بقلة من البقول، والبقول فرطبة لينة سريعة الانحلال والانفشاش لما فيها من الرطوبة الفضلية المكتسبة من الماء.
ومن فعل الكرنب على سبيل الدواء أن عصارته إذا خلطت بشراب وشربت، نفعت من لسعة الأفعى. وإذا أكل نيئا بالخل، نفع من غلظ الطحال. وإذا أكلت مرقته المعروفة بالكرنبية، أطلقت البطن وأدرت البول. ومن خاصة الكرنب أن أكله نيئا قبل الشراب، يمنع من كثرة السكر وسرعته، لأنه يغلظ البخار ويمنعه من الترقي إلى الرأس بسرعة. ولذلك صار أكله بعد الخمار محللا للخمار. ومن خاصة بزر الكرنب إذا تحملت المرأة منه وزن درهمين مدقوقا بعقب المباضعة، أفسد المني وأخرجه من الرحم.
وإذا شرب، قتل الدود وحب القرع فأخرجه من البطن ولا سيما إذا شرب بعده شيح (1) أرمني غير مطبوخ وإن كان ماء الترمس وبزر الكرنب المصري أخص بذلك وأوجدته (2) من طريق أنه أكثر جفافا وأشد مرارة حتى أنه لمرارته يكاد أن لا يؤكل. وبزر الكرنب البري يفعل مثل ذلك أيضا. وكذلك يفعل في سائر العلل المحتاجة إلى اليسير من الجلاء.
وأما قضبان الكرنب فإنها إذا أحرقت، صار رمادها يجفف تجفيفا قويا حتى أن قوته تكون محرقة.
فإذا خلط هذا الرماد بشحم عتيق واستعمل، نفع من أوجاع الجنبين العتيقة وحللها. وزهر الكرنب إذا عمل منها فزرجة واحتملتها المرأة بعد الحبل، قتل الجنين.