بقي منه شئ يعوم على وجه غليظه وثفله، تنشفه بصوفة البحر المعروفة بإسفنج البحر، وأهل الحجاز يسمونه الغيم (1) ثم يلقى غليظه وثفله في صلاية (2) من حجر ويسحق عليه كل يوم دائما حتى يمكن تقريضه ويقرص ويجفف في الظل. فما كان له كدورة وخشونة ورزانة، كان رديئا مذموما غير محمود.
وأجوده ما كان قليل الخضرة مائلا إلى البياض قليلا، شبيها بلون العنبر، ويكون مع ذلك أملس خفيفا مفرط المرار. وإذا أدني من السراج، كان سهل الاحتراق. وما عتق منه وجاوز السنتين إلى العشرة، كان أقوى، من أراد استعماله للقئ والاسهال. والشربة منه ثلاثة قراريط ونصف، يكون ربع درهم. وأما الصبيان فلا يعطون منه إلا اليسير، لان الكثير منه يقتلهم. ومن خاصة هذه العصارة إخراج الفضول البلغمانية والسوداء بالاسهال والقئ جميعا. والاسهال منها نافع من رداءة التنفس. فمن أراد استعمالها لاحدار البطن، فيخلط مع الشربة منها من الملح ضعفها، ومن الأثمد (3) مقدار ما يغير لونها تغييرا صالحا، ويعمل منه حبا على مثال الكرسنة، ويشربه بماء حار. ومن أراد استعمالها للقئ، فيدفها بماء ويلطخها على المواضع التي تلي اللسان والحنك بريشة. فإن كان القئ يعسر على صاحبها، فيدفها بزيت أو بدهن سوسن ويلطخها على المواضع التي تلي اللسان والحنك، ولا ينام عليها. فإن أشرف القئ على صاحبها، فيشرب شرابا ممزوجا بزيت، فإن سكن القئ وإلا فيشرب سويق شعير بماء بارد أو بماء ممزوج بخل ويتناول من الفاكهة ما يقوي المعدة. ومن فعل هذه العصارة أيضا أنه إذا استعط بها مع اللبن، نفعت من اليرقان الأسود. وإذا تحنك بها مع زيت عتيق أو عسل أو مع مرارة ثور، نفعت من الخناق منفعة قوية. وإذا تحملتها الامرأة، أدر الطمث وطرحت الأجنة.
ومن الناس من يغش الردئ من هذه العصارة بعصارة القثاء الريفي وشئ من النشاستج ليشابهها بعصارة الخالصة (4) في بياضها وخفتها. وأما أصل هذا النبات وأغصانه، فإنها إذا طبخت وتمضمض بمائها، نفعت من وجع الأسنان العارض من الرطوبة والرياح الغليظة. وإذا استعملت يابسة مسحوقة، نقت البهق والأوساخ العارضة في الوجه والآثار السود العارضة من اندمال القروح ونفعت من القوابي والجرب المتقرح.