ترى أن الناس حين يأتون إلى المسجد، فإنهم يبادرون إلى السلام على رسول الله، وما إلى ذلك، فيرون هناك ابنته الحزينة المقهورة، ويتذكرون ما جرى عليها من ضرب، وهتك لحرمة بيتها، ومن إسقاط جنين واقتحام وغيره..
فأعلنت هذه السلطة - وربما تكون حرضت بعض أتباعها - على إعلان الشكوى، والمطالبة بإخراج من يزعجهم من هذا المكان الحساس جدا بالنسبة إليهم، والذي لو استمر الحال على ما هو عليه، فلربما يؤثر في تغيير مجرى الأمور في غير صالحهم..
5 - وعلى هذا الأساس نقول: إنه لم يكن ثمة جزع مذموم، ولا مخالفة لفضيلة الصبر، كما لم يكن ثمة نواح ونحيب، أو ولولة، ولا كانت الزهراء تجوب الشوارع والأزقة صارخة باكية، بحيث ينزعج الناس منها، وإنما كانت تجلس في بيتها؛ وإلى جنب قبر أبيها، ومن كان يدخل، يجد ابنة رسول الله (ص) هناك. فيرى حالها، ويتذكر ما جرى لها، حسبما ألمحنا إليه.
6 - وبعد ما تقدم، وبعد أن علمنا: أنها (عليها السلام) كانت الصابرة المجاهدة التي لم يخرجها غضبها وحزنها عن صراط الطاعة لله نقول:
إن حزن الزهراء إنما كان على الإسلام، كما أن ما جرى عليها وما نالها من أذى لم يكن يؤذيها من حيث ما نشأ عنه من آلام جسدية.. بقدر ما كان يؤذيها بما كان له من آثار على الدين، وعلى الأمة.. ومن جرأة على الله ورسوله..
7 - وما هو الضير بعد هذا في أن يستغرق هذا الحزن ليلها، ونهارها، أو أن يغشى عليها ساعة بعد ساعة، كما ورد في الأحاديث؟ فإن ذلك لم يكن جزعا على شخص، بل كان حزنا على ما أصاب الدين من وهن، وما ألم به من انتكاسات خطيرة..
8 - إذن، فلا معنى لتصوير هذا الحزن على أنه حزن بنت على أبيها، من خلال علاقة البنوة بالأبوة. لكي نطالبها بالتزام الصبر على المصاب بالشخص.
9 - إن القول بأن الصبر على المصاب درجة عظيمة، وأن أوامر الصبر غير قابلة للتخصيص، يصبح بلا مورد، فان الحزن لم يكن على الشخص بما هو أب وفقيد.. بل كان الحزن على الإسلام بما هو مطعون وقتيل وشهيد..
10 - إن انشغال الزهراء (ع) في معظم وقتها بالدفاع عن علي (ع).. لا