(أقول في معنى البداء ما يقوله المسلمون بأجمعهم في النسخ وأمثاله من الإفقار بعد الإغناء والإمراض بعد الإعفاء والإماتة بعد الإحياء وما يذهب إليه أهل العدل خاصة من الزيادة في الآجال والأرزاق والنقصان منها بالأعمال. فأما إطلاق لفظ البداء فإنما صرت إليه بالسمع الوارد عن الوسائل بين العبد وبين الله عز وجل، ولو لم يرد به سمع أعلم صحته ما استجزت إطلاقه كما انه لو لم يرد علي سمع بأن الله تعالى يغضب ويرضى ويحب ويعجب لما أطلقت ذلك عليه سبحانه. ولكنه لما جاء السمع به صرت إليه على المعاني التي لا تأباها العقول، وليس بيني وبين كافة المسلمين في هذا الباب، وإنما خالفهم من خالفهم في اللفظ دون ما سواه وقد أوضحت من كلمتي في إطلاقه بما يقصر معه الكلام وهذا مذهب الإمامية بأسرها، وكل من فارقها في المذهب ينكره على ما وصفت من الاسم دون المعنى ولا يرضاه.
وإنني أرى أنه لا بد من إغلاق ملف الحديث وعدم إدخاله في تفاصيل عقيدة الإمامية، لأن الإشكال فيه تعبيري لا معنوي، وقد كانت هناك تعبيرات صادرة عن الأئمة (ع) في مواجهة بعض الأفكار المطروحة في زمانهم ضد اليهود، أو لحالات معينة ظرفية، ليكون الحديث عنها مقتصرا على مواقع الجدل في تفسير أحاديث الأئمة (ع) التي وردت فيها هذه الكلمة مقارنة بالأحاديث التي وردت فيها الإشارة إلى المعنى الظاهر منها لتتفادى من خلال إبعاد عنوان البداء عن خط العقيدة - كما هو الصحيح - مواجهة الحملات الظالمة التي يشنها البعض على الشيعة، وليستنبطوا من بعض الكلمات أن الشيعة يبررون بالبداء ما يصدر عن الأئمة (ع) أو منهم بطريقة معينة، ثم يصدر منهم أو من الأئمة بطريقة أخرى مخالفة لها تماما، كما يتحدثون - بنفس الأسلوب - عن عقيدة الشيعة في التقية، لأن الإصرار على الكلمات الموحية في ظاهرها بغير ما نعتقده، هو إصرار على أمر لا ضرورة فيه بل قد يكون فيه ضرر كبير على العقيدة والمذهب، ونحن نعرف أن الكلمات قد تموت في زمن المستقبل بعد أن كانت حية في الزمان الماضي، لأن الظروف التي اقتضت استعمالها في هذا المعنى أو ذاك حقيقة أو مجازا، تغيرت وتبدلت مما يعني تغير وسائل التعبير عن المعاني في حركة التطور في التعبير " (1).
وقفة قصيرة ونقول:
هل كل عقيدة تشن الحملات الظالمة علينا من أجلها يلزم أن نتخلى