الأحداث الكبيرة التي عاشوها، ولكنها لم تكن تستغرق وقتها في الليل والنهار في البكاء، ولا أنها كانت كل هذه المدة (يغشى عليها ساعة بعد ساعة) (1). وذلك:
2 - لأن الصبر كما أشرنا قيمة إسلامية كبرى. ومن الطبيعي أن تمثل الزهراء (ع) أعلى درجات الصبر من خلال مقامها الرفيع عند الله، فهي ككل أهل البيت (عليهم السلام) قدوتنا في الصبر، كما كان رسول الله (ص) قدوة الناس كلهم في هذا المجال، وكما كان الرسل من قبله (فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ((الأحقاف 35).
وهذا هو معنى التأسي بهم، فالحزن على المصاب، لا سيما إذا كان أليما له دوره في رقة القلب. ولكن للصبر عليه درجة عظيمة لا مخصص لها.. فإن قوله تعالى: (والله يحب الصابرين) (آل عمران: 146) وقوله: (واصبروا إن الله مع الصابرين ((الأنفال: 46)، لا يقبل التخصيص، والتقيد، فهو من العمومات الآبية عن ذلك، وكذلك قول الصادق (ع): (الصبر رأس الإيمان) وقوله الآخر: (الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا ذهب الرأس ذهب الجسد، كذلك إذا ذهب الصبر ذهب الإيمان (2)). فإن هذا اللون من البيان يأبى التخصيص والتقييد كما يقول علماء الأصول.
2 - ولأن الزهراء (ع) كانت مشغولة في معظم وقتها بالدفاع عن حق علي (ع) في الخلافة، ومن أبرز مظاهر تحركها خطبتها في المسجد، وكلامها مع نساء المهاجرين والأنصار ورجالهن، وإذا صح الحديث بأن عليا (ع) كان يطوف بها على بيوت المهاجرين والأنصار أو جموعهم كما جاء في بعض الروايات. فهذا يعني أنها كانت تتحرك بشكل يومي نحو تحقيق هذا الهدف الكبير، مما لا يترك لها مجالا واسعا للانصراف إلى البكاء والاستغراق فيه.
3 - إننا لا ننكر مشروعية البكاء إسلاميا فقد بكى رسول الله على ولده إبراهيم (3)، وبكى يعقوب على يوسف (ع) (4) ومن الطبيعي أن تبكي الزهراء (ع) لأنها بشر، والبشر من طبعه البكاء عند فقد الأحبة، لكننا ننكر أن يتحول البكاء إلى حالة من الجزع أو ما يشبه الجزع بحسب الصورة التي تتلى في المجالس، ومفادها (أن أهل المدينة ضجوا من كثرة بكائها) (5). وانهم شكوا الأمر إلى علي (ع) وقالوا له: (إما أن تبكي أباها ليلا أو نهارا)، لأن هذه الصورة لا تليق بمكانة الزهراء في الواقع العام، ولا