بداية توضيحية تغني عن الوقفة القصيرة ونقول: لقد كان النبي (ص) يتبرك بعرق علي. وكان يبرك على الأطفال، ويحنكهم بريقه، ويستجيب لطلب البركة منه، فيضع يده في أواني الماء التي كانوا يأتون بها إليه بعد الصلاة.
وكانت أم سليم تجمع عرقه (ص) في قارورة لأجل التبرك به.
وكان الصحابة يقتسمون شعره حين يحلق رأسه، بل هو كان يوزعه عليهم.
وكان المسلمون وما زالوا يقبلون الكعبة، والحجر الأسود، ويتبركون بمقامات الأئمة، وبمقام إبراهيم، وبماء زمزم، ولا يرون ذلك عملا عبثيا أو غير عقلائي أو غير مشروع، هم يجلونها ويتبركون بها، بهذا التقبيل.
ولكن البعض يرى أن البركة لا تتجمد في المسجد، مستندا إلى قوله تعالى: (باركنا حوله) مع أن التبرك بالكعبة، وبالحجر الأسود، وبرسول الله على النحو الذي ذكرناه قد كان موجودا وشائعا، وقد قبل النبي (ص) نفسه الحجر الأسود، كما هو معلوم وغير ذلك (1).
فلنقرأ ما يقوله البعض بهذا الصدد لنجد إن كان يتوافق مع هذه الحقيقة الإسلامية والإيمانية، إنه يقول:
".. (الذي باركنا حوله) فيما كانت البركة تمثله من امتداد وحركة على كل الساحات المحيطة به.. لأن البركة ليست مجرد حالة غيبية روحية تثير المشاعر القدسية في أجواء ضبابية حالمة، بل هي - إلى جانب ذلك - قوة حركية روحية تندفع بالكلمة الطيبة التي تملكها، و بالطاقة الحية التي تحركها، وبالأفق الرحب، الذي تفتحه وبالشعور الحميم الذي تثيره وبالخطوات الثابتة التي تقودها.. لتكون - في جميع ذلك - مشروع حياة نافعة مليئة بكل ما يحقق للإنسان سعادته وللكون نظامه.. " " ومن خلال ذلك فإننا نفهم معنى الشخص المبارك، فهو ليس الإنسان الحامل للأسرار الخفية التي تدفع الناس أن يلمسوا ثيابه وجسده، ليأخذوا منه البركة أو يطلبوا منه أن يضع يده على رؤوسهم ليمنحهم بذلك بركته، بل هو الإنسان الذي يعيش الطاقة الروحية التي تحرك فيه كل طاقاته ليوجهها إلى الناس والحياة من حوله