مواقعهم أمام الله فلا يتجاوزونها فيما يعيشونه في داخل حياتهم الخاصة، وفيما يتحركون به من العلاقات في حياة الآخرين.. فلا يتصرفون معهم إلا بما يعلمون أن الله يرضى عنه، فلا يرون لأنفسهم الحرية في أن تتدخل العوامل الذاتية فيما يريدون أن يتقدموا به إلى الله، من الشفاعة لبعض الخاطئين، أو المنحرفين، لأنهم يعرفون أن الشفاعة ليست حالة ذاتية ينطلق بها المقربون إلى الله ليستفيدوا من مواقع القرب، في علاقاتهم الخاصة بالأشخاص، ليقربوا بعيدا عن الله، كما يفعل الناس في الدنيا، ليتقرب الناس إليهم بما يتقربون به إلى المقربين من الملوك والأمراء، ليشفعوا لهم عنده، فينفعلون بذلك، فيما يتحدثون به، إلى رؤسائهم، في قضايا الامتيازات والشفاعات، وما إلى ذلك..
إن المقربين من عباد الله المكرمين، سواء منهم الملائكة أو الأنبياء والأولياء، لا يعيشون في مشاعرهم العنصر الذاتي، بل يتمثلون في وجدانهم العنصر الروحي فهم يعرفون مواقع رضا الله فيتحركون فيها، ومحال كرامة الله ورحمته، فينطلقون إليها، ويعلمون أن الشفاعة كرامة يريد الله أن يكرم بها بعض خلقه فيشفعهم فيمن يريد أن يغفر لهم ويرحمهم لأنهم في الموقع الذي يمكن لهم فيه أن يتقربوا من رحمته ومغفرته ولذلك فهم يعرفون مواقع الشفاعة فيمن يطلبون من الله أن يشفعهم فيهم فلا يشفعون للكافرين والمشركين والمنحرفين الذين حاربوا الله ورسوله، لأنهم ليسوا في مواقع الرحمة التي سيستحقون فيها الرحمة (1) ".
وقفة قصيرة لا نريد أن نسهب القول في بيان حقيقة الشفاعة، فأمرها أظهر من الشمس، وأبين من الأمس، وقد ذكرنا فيما تقدم في بضع توضيحات قد تكون مفيدة في هذا المجال فلا بأس بمراجعتها. غير أننا نذكر القارئ بالأمور التالية:
1 - إننا نرشد، هنا إلى الأحاديث التي تتحدث عن أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) يشفع لأهل الكبائر من أمته، فيشفعه الله تعالى فيهم، لكنه لا يشفع لمن آذى ذريته (2).
وفي بعض الروايات: (هل يشفع إلا لمن وجبت له النار؟!) (3).