تنسجم مع عصمتها وعظمتها. كيف والجزع مذموم شرعا وعقلا. يقول أمير المؤمنين لبعض أصحابه وقد فقد ولدا: (إن صبرت جرى عليك القدر وأنت مأجور، وإن جزعت جرى عليك القدر وأنت مأزور) (1) وقال أيضا وهو يلي غسل رسول الله وتجهيزه: (بابي أنت وأمي يا رسول الله، لقد انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت غيرك من النبوة والإنباء، وأخبار السماء. ولو لا أنك أمرت بالصبر ونهيت عن الجزع لأنفدنا عليك ماء الشؤون " (2).
" وأما ما جاء في بعض النصوص، مثل ما روي عن أمير المؤمنين عندما وقف على قبر رسول الله (ص) ساعة دفنه أنه قال: (إن الصبر لجميل إلا عنك، وإن الجزع لقبيح إلا عليك، وإن المصاب بك لجليل، وإنه قبلك وبعدك لجلل) (3)، فمحمول على شدة الحزن وعظيم الفاجعة والمصيبة، وإلا فحسن الصبر وقبح الجزع لا يقبلان الاستثناء والتخصيص كما أشرنا.
إن هناك وصية خاصة من رسول الله لابنته فاطمة في هذا الخصوص، وهي ما رواه الصدوق بإسناده عن عمرو بن أبي المقدام، قال سمعت أبا الحسن وأبا جعفر (ع) يقول في هذه الآية: (ولا يعصينك في معروف ((الممتحنة: 12)، قال: (إن رسول الله قال لفاطمة (ع) (إذا أنا مت فلا تخمشي علي وجها، ولا ترخي علي شعرا، ولا تنادي بالويل ولا تقيمي علي نائحة) ثم قال: هذا المعروف الذي قال الله عز وجل في كتابه: (ولا يعصينك في معروف) (4).
" ونستوحي من هذا الحديث التحفظ عما نسب إلى سيدتنا فاطمة الزهراء من الحزن الذي يقرب من الجزع، لأن هذه الوصية تدل على أن النبي (ص) أراد لها أن تبتعد عن مظاهر الحزن الشديد.
5 - إن الزهراء (ع) نفسها أمرت نساء بني هاشم اللاتي جئن يساعدنها عند وفاة أبيها (ص) بأن يقتصرن على الدعاء، ففي الكافي بإسناده عن أبي عبد الله (ع)، عن أمير المؤمنين قال: (مروا أهاليكم بالقول الحسن عند موتاكم، فإن فاطمة (ع) لما قبض أبوها (ص) أسعدتها بنات هاشم فقالت: اتركن التعداد وعليكن بالدعاء) " (5).