وأما رواية بعض محبي أولئك القوم - وهو الشعبي -: أنها رضيت عنهما، فيكذبها ما رواه البخاري بأنها ماتت وهي مهاجرة لهما.. وكذلك سائر الروايات الأخرى، بالإضافة إلى أنها رواية موقوفة لا مجال للاعتماد على سندها (1).
3 - إن مما لا شك فيه: أنه لم يكن في مصلحة القوم أن يظهر للناس أن السيدة الزهراء عليها السلام كانت غاضبة عليهما، لأن ذلك معناه أن يراهما الناس في جملة من آذى رسول الله (ص) وأغضبه. فكان من الطبيعي أن يسعيا لاسترضائها. ولكنهما لم يقدما أي تنازل، ولم يتراجعا عن أي شيء مما اقترفاه في حقها.
إنها مجرد توبة صورية هي بمثابة السخرية بالطرف الآخر، والاستخفاف بعقله.. وهي ستكون أوجع للقلب، وأقبح من ذنب.
فهما لم يرجعا فدكا، ولا غيرها مما اغتصباه من إرث رسول الله (ص) وغيره، ولم يقرا بجريمتهما النكراء في حق الله والأمة باغتصابهما الخلافة من صاحبها الشرعي.
ولم يظهرا الاستعداد لتقديم من ارتكب جريمة هتك حرمة بيتها، وجريمة ضربها، ومن قتل ولدها محسنا، وأحرق بابها، وكسر ضلعها، للقصاص، أو للاقتصاص منه.. فلم يعاقب أبو بكر قنفذا، ولا المغيرة، ولا عمر بن الخطاب، ولا غيرهم ممن هتك حرمة بيتها، ولا حاول حتى أن يلومهم، أو يظهر العبوس في وجوههم، بل كان هو الراعي والحامي لهم، والمدافع عنهم، وقد أشار علي عليه السلام إلى أنه كان راضيا بفعلهم أيضا. فراجع ما رواه المفيد في أماليه حول هذا الموضوع وراجع غير ذلك من مصادر عدة.
وكذلك لم يظهر من قال لرسول الله (ص): إن النبي ليهجر.. أي ندامة على قوله، فضلا عن إظهار الاستعداد للتكفير عن هذا القول الشنيع..
بل كان الذين فعلوا ذلك وسواه هم أركان الحكم وأعوانه، وكانت سيوفهم مسلولة على كل من يعترض أو يشكو..
كما أنهم إلى آخر لحظات حياتها لم يسمحوا لها حتى بالبكاء على مصائبها، وما ألم بها بعد وفاة أبيها.