ونستوحي من هذا الحديث أن الزهراء (ع) كانت متوازنة إبان وفاة أبيها، رغم فداحة المصيبة.
وأما ما قد يقال: بأنها كانت تبكي إظهارا: لمظلوميتها ومظلومية زوجها، وتنبيها على غصب حق أمير المؤمنين (ع) في الخلافة، وحزنا على المسلمين بعد انقلاب جملة منهم على أعقابهم، فيرد عليه:
أولا: إن إظهار ذلك لا ينحصر بالبكاء، بل يتحقق في خطبتها في المسجد، وفي أحاديثها الصريحة مع المسلمات والمسلمين، وفي حديثها مع أبي بكر وعمر اللذين تحدثت معهما عن غضبها عليهما من خلال غصبهما فدكا وغصبهما للخلافة (1).
وثانيا: إن الأحاديث الواردة في كلامها أو التي تحدثت عن بكائها استهدفت ذكرى رسول الله (ص).
إننا نرى أن أهل البيت (عليهم السلام) قمة في العطاء والصبر، وفي مقدمتهم السيدة الزهراء (ع)، التي تمثل القدوة في الصبر حتى في طريقة بكائها، فهي تبكي بكاء الصابرين الرساليين الشاكين إلى الله سبحانه وتعالى.
نعم، إن بكاء علي بن الحسين (ع) كان إظهارا لمظلومية أبيه الإمام الحسين (ع)، لأن زين العابدين (ع) كان يتحدث عن مظلومية أبيه، وهو يبكيه، لكي يتذكر الناس الواقعة ويدفعهم ذلك إلى الثورة على بني أمية.
الحزن الرسالي ومحصل ما نريد قوله: إن الزهراء (ع) لم تعرف الفرح في الفترة القصيرة التي قضتها بعد وفاة أبيها رسول الله (ص) (2). لكن حزنها كان حزنا إسلاميا.. لم يكن جزعا ولا ابتعادا عن خط التوازن.
والرواية التي يمكن الوثوق بها في هذا المقام هي التي تقول: إنها كانت تخرج في الأسبوع مرة أو مرتين إلى قبر النبي (ص) وتأخذ معها ولديها الحسن والحسين (ع)، وتبكيه هناك، وتتذكر كيف كان يخطب هنا، وكيف كان يصلي هناك، وكيف كان يعظ الناس هنالك (3).
وأرادت بذلك أن تعيد للأمة الغارقة في متاهات الدنيا رسول الله (ص) في معناه