ويقول:
" يقول الإمام الصادق (ع) في ما رواه الكليني بسنده الصحيح عنه: (عاشت بعد رسول الله (ص) خمسة وسبعين يوما لم تر كاشرة ولا ضاحكة، تأتي قبور الشهداء في كل أسبوع مرتين، الاثنين والخميس، فتقول: ههنا كان رسول، وههنا كان المشركون (1).
وفي رواية أخرى، عن الصادق (ع): أنها كانت تصلي هناك، وتدعو، حتى ماتت (2). وهذا المقدار من الحزن والبكاء يليق بمكانة الزهراء (ع)، ولا غضاضة فيه، لأنه حزن القضية الذي لا يلغي قيمة الصبر.
وأما ما أفاضت به بعض المرويات (3)، التي يقرأها بعض قراء العزاء، والتي تصور الزهراء وكأنها لا شغل لها إلا البكاء، فهذا ما نرسم حوله بعض علامات الاستفهام، لأني لا أتصور الزهراء (ع) إنسانة لا شغل لها في الليل والنهار إلا البكاء، ولا أتصور الزهراء، وهي المنفتحة على قيم الإسلام وعلى قضاء الله وقدره، إنسانة ينزعج منها أهل المدينة لكثرة بكائها كما تصور هذه الروايات حتى لو كان الفقيد على مستوى رسول الله (ص)، فإن ذلك لا يلغي معنى الصبر، لأن الصبر قيمة إسلامية تجعل الإنسان يتوازن ويتماسك في أشد الحالات قساوة وصعوبة. وهذا ما يجعلنا نعتقد أن حزن فاطمة (ع) كان حزن القضية وحزن الرسالة أكثر مما هو حزن الذات، لأنها كانت تستشعر بفقدها أبيها محمد (ص) أنها فقدت الرسول الذي انقطعت بموته أخبار السماء، كما جاء في بعض كلماتها (4).
مشروعية البكاء وحدوده وزيادة في توضيح هذا الأمر، ودفعا لبعض الالتباسات والاعتراضات نقول: إن فراق رسول الله (ص) لم يكن بالأمر الهين، لا سيما على ابنته السيدة الزهراء (ع)، التي أحست أكثر من غيرها بعظيم الفادحة وثقل المصيبة التي المت بالمسلمين بوفاة رسول الله ولهذا كان حزنها عليه أعظم الحزن، وبكاؤها عليه أعظم البكاء، وكانت تخرج إلى قبره الشريف مصطحبة ولديها الحسنين (ع) لتبكي أباها، وكل الشهداء الذين سقطوا معه، لتذكر المسلمين من خلال ذلك برسول الله (ص) حتى لا ينسوه في غمرة