للعداوة التي بينهما فبذل ليونس ألف دينار يعجل له منها ثلاثمائة ويرسل معه من يقبض الباقي من الحديثة وأرسل إلى عامل بلد الفرات ان ينفذ من يضمن المال فاحضر العامل غلاما وألبسه ثيابا فاخرة وسير معه غلمانا وأرسله إلى يونس على أنه قاضي بلد الفرات فضمن الباقي وأرسل يونس مع القاضي من يقبض الباقي فلما وصل الحديثة قبض على من معهم فأطلق يونس الفلاح والمال الذي أخذه وأطلق الوزير أصحابه وتمت الحيلة على يونس ورأى الوزير في طريقه انسانا أنكره فوجد معه كتابا من دبيس إلى يونس يبذل له ستة آلاف ليسلم الوزير إليه فكان خلاصة من أعجب الأشياء.
وفيها سار الخليفة المسترشد لحرب دبيس بن صدقة لان دبيسا أطلق عفيفا خادم الخليفة وكان مأسورا عنده وحمله رسالة فيها تهديد للخليفة لارساله البرسقي إلى قتاله وتقويته بالمال وان السلطان كحل أخاه وحلف لينهبن بغداد ويخربها فاغتاظ الخليفة لهذه الرسالة وتقدم إلى البرسقي بالتبريز إلى حرب دبيس ففعل وتجهز الخليفة وبرز من بغداد واستدعى العساكر من الأطراف فحضرت مع أمرائها وأرسل دبيس إلى نهر ملك فنهب ووصل أهله إلى بغداد فامر الخليفة فنودي ببغداد ان لا يتخلف أحد من الأجناد ومن أحب التطوع فليحضر فجاء خلق كثير ففرق فيهم الأموال والسلاح فلما علم دبيس الحال كتب إلى الخليفة يستعطفه ويسأله الرضا عنه فلم يجب إلى ذلك وأخرجت خيام الخليفة ونادى أهل بغداد النفير النفيد الغزاة الغزاة وخرج منهم عالم كثير لا يحصون وخرج الخليفة في أبهة الخلافة بالقضيب والبردة والطرحة ومنطقة الحديد الصيني والشمسية ومعه الأعيان والأكابر والامراء تترجل وتقبل الأرض بالبعد منه كل هذا وليس له مع السلاجقة حكم.
ودخلت سنة 517 وساروا إلى النبل ونزلوا بالمباركة وعبى البرسقي أصحابه ووقف الخليفة من وراء الجميع وجعل دبيس أصحابه صفا واحدا ميمنة وميسرة وقلبا والرجالة بين يدي الخيالة بالسلاح فحمل عنتر بن أبي العسكر في طائفة من عسكر دبيس على ميمنة البرسقى فتراجعت على أعقابها ثم حمل ثانيا فرجعت إلى أعقابها ثم حمل ثانيا فرجعت على أعقابها أيضا وحمل عسكر واسط ومن معه على عنتر وأحاطوا به وأسروه وجميع من معه وكان لعسكر الخليفة كمين خمسمائة فارس فلما اختلط الناس حملوا على عسكر دبيس فانهزموا جميعهم وجيئ بالأسرى إلى الخليفة فامر بضرب أعناقهم صبرا وكان عسكر دبيس عشرة آلاف فارس وخمسة آلاف راجل ولما عاد الخليفة إلى بغداد ثار العامة بها ونهبوا مشهد باب التبن وقلعوا أبوابه فأنكر الخليفة ذلك وامر أمير الحاج بالركوب إلى المشهد وتأديب من فعل ذلك ورد المنهوب ففعل ورد البعض وخفي عليه الباقي ونجا صدقة بفرسه وسلاحه وأدركته الخيل ففاتها وعبر الفرات فرأته امرأة عجوز فقالت دبير جئت فقال دبير من لم يجئ واختفى خبره وأرجف عليه بالقتل ثم أظهر أنه قصد غزية من عرب نجد وطلب محالفتهم فأبوا لئلا يخالفوا الخليفة والسلطان فرحل إلى المنتفق واتفق معهم على قصد البصرة فدخلوها وقتلوا مقدم عسكرها وأجلى أهلها فعاتب الخليفة البرسقي على اهمال امر دبيس فتجهز البرسقي للانحدار إلى البصرة ففارقها دبيس وسار على البر إلى قلعة جعبر.
وفي سنة 519 سار السلطان طغرل ابن السلطان محمد ومعه دبيس إلى العراق وكان دبيس بعد أن حاول الاتصال بالفرنج قد قصده فأكرمه طغرل وجعله من خواص أمرائه فحسن له دبيس قصد العراق. فوصلوا دقوقا في عساكر كثيرة وبلغ الخبر إلى بغداد فتجهز الخليفة وامر شحة العراق بالاستعداد للحرب فخرجوا في اثني عشر ألفا سوى الرجالة وأهل بغداد فلما سمع طغرل بخروج الخليفة عدل إلى طريق خراسان واستقر الامر بين دبيس وطغرل ان يقيم دبيس ليحفظ المعابر ويتقدم طغرل إلى بغداد فيملكها فسارا على هذه القاعدة فقدر الله تعالى ان طغرل لحقته حمى شديدة ونزل عليهم مطر كثير فتأخر طغرل وسار دبيس في مائتي فارس وقصد معرة النهروان فنزلها وهو تعب سهران وقد بل المطر ثيابهم وإذ قد طلع عليها ثلاثون جملا تحمل الثياب وأنواع الأطعمة جاءت من بغداد إلى الخليفة فلبسوا الثياب واكلوا وناموا وجاء الخبر إلى الخليفة ان دبيسا ملك بغداد فرحل وانهزم العسكر إلى النهروان وتركوا أثقالهم ولو لحقهم مائة فارس لهلكوا وأشرف الخليفة على ديالى ودبيس نازل غرب النهروان فلما أبصر دبيس شمسة الخليفة قبل الأرض وقال انا العبد المطرود فليعف أمير المؤمنين عن عبده فرق الخليفة له وهم بصلحه فثناه عن ذلك وزيره وسار دبيس عائدا إلى الملك طغرل فعادا وسارا إلى الملك سنجر فاجتازا بهمذان ودخلا خراسان إلى سنجر وشكيا إليه من الخليفة وبرنقش الزكوي.
وفي سنة 522 خرج السلطان سنجر من خراسان إلى الري في جيش كثير لان دبيس بن صدقة لما وصل إليه هو والملك طغرل أطمعه في العراق وسهل عليه قصده وألقى في نفسه ان المسترشد والسلطان محمود متفقان على الامتناع منه فاجابه إلى المسير للعراق فلما وصل الري وكان السلطان محمود بهمذان ارسل إليه يستدعيه ليرى أهو على طاعته أم تغير كما زعم دبيس فبادر إلى المسير إلى عمه ثم عاد سنجر إلى خراسان وسلم دبيسا إلى محمود ووصاه باكرامه واعادته إلى بلده ورجع محمود إلى همذان ودبيس معه.
وفي سنة 523 سار محمود إلى العراق ومعه دبيس ليصلح حاله مع الخليفة فتأخر دبيس عن السلطان بهمذان ودخل السلطان بغداد فامتنع الخليفة من الإجابة إلى تولية دبيس شيئا من البلاد وبذل مائة ألف دينار لذلك فعلم اتابك زنكي ان السلطان يريد ان يولي دبيسا الموصل فبذل مائة ألف دينار وحمل الهدايا الجليلة إلى السلطان فخلع عليه واعاده إلى الموصل وسار السلطان إلى همذان وماتت زوجته ابنة سنجر وهي التي كانت تعنى بأمر دبيس وتدافع عنه فانحل امر دبيس ومرض السلطان مرضا شديدا فاخذ دبيس ابنا له صغيرا وقصد العراق فلما سمع المسترشد بذلك جند الجنود وهرب عامل الحلة منها ودخلها دبيس فلما بلغ السلطان الخبر عن دبيس أحضر الأميرين قزلو والأحمديلي وقال أنتما ضمنتما دبيسا وأريده منكما فسار الأحمديلي إلى العراق ليحضر دبيسا إلى السلطان فلما سمع دبيس الخبر ارسل إلى الخليفة يستعطفه وترددت بينهما الرسل ودبيس يجمع الأموال والرجال فاجتمع معه عشرة آلاف فارس وكان قد وصل في ثلاثمائة فارس ووصل الأحمديلي بغداد وسار في اثر دبيس ثم إن السلطان سار إلى العراق فأرسل إليه دبيس هدايا جليلة وبذل ثلاثمائة حصان منعلة بالذهب ومائتي ألف دينار ليرضى عنه السلطان والخليفة فلم يجبه إلى ذلك فرحل دبيس إلى البرية وقصد البصرة واخذ منها أموالا كثيرة وما للخليفة والسلطان هناك من الدخل فسير السلطان اثره عشرة آلاف فارس ففارق البصرة ودخل البرية.
وفي سنة 525 جاءه قاصد من الشام من صرخد يستدعيه إليها لان صاحبها كان خصيا فتوفي وخلف جارية سرية له فاستولت على القلعة وعلمت انه لا يتم لها ذلك الا ان تتصل برجل له قوة ونجدة فوصف لها دبيس بن صدقة وكثرة عشيرته فأرسلت تستدعيه لتتزوج به وتسلمه القلعة