وأما في المقام، فربما يشكل كما استشكل الأمر في الواجب التخييري، وفي بيع الفرد المردد.
والذي هو الحق الصريح في المسألة، أنه من مقايسة العلم الاجمالي بالعلم التفصيلي، يعلم معنى " الاجمال " وأنه لا يكون في نفس العلم ولا في المتعلق إجمال، خلافا لما اشتهر بينهم: " من أن الاجمال ليس في العلم، بل هو في المتعلق " (1) وذلك لأن العلم التفصيلي مثلا بخمرية ما في الإناء، هو العلم بالأمور المختلفة المتعانقة في الوجود، والمتلازمة في التحقق، فإن من يعلم بأن ما في الإناء الخاص خمر، يعلم بوجود الخمر، وبطبيعتها، وبمقولاتها، ومنها: مقولة الأين الخاص بها.
فالعلم التفصيلي يرجع إلى العلوم الكثيرة بالجوهر والأعراض، التي يكون كل واحد مستقلا في المعلومية والمجهولية، فربما يعلم بوجود الخمر، ولا يعلم بلونها، لأجل الشركة بين لونها ولون آخر يشبه الخمر، أو يعلم بوجودها وكيفيته، ولا يعلم بأينها ومكانها، فيكون - لأجل وجود المشاركات - جاهلا بمقولة الأين، وهكذا.
فإذا كان عالما بجميع الخصوصيات، يعلم تفصيلا بوجود الخمر، ولا يعقل حينئذ أن يحصل العلم الاجمالي، وهذا يشهد على أن الاجمال، ناشئ من الجهل ببعض المقارنات.
وإذا كان جاهلا بإحدى الخصوصيات، يلزم لأجل المشاركة الجهل، فيكون العلم المقرون بالجهل، علما بأصل الوجود في الدار، وجهلا بأنه في الجانب الشرقي أو الغربي، فالعلم الاجمالي هو العلم المقرون بالجهل، ولا إجمال في الحيثية