ما رواه في الصحيح عن معاوية بن عمار انه سال عن الرجل يقوم في الصلاة ثم ينظر بعد ما فرغ فيرى انه قد انحرف عن القبلة يمينا وشمالا فقال قد مضت صلاته وفارس المشرق والمغرب قبلة ونزلت هذه الآية في قبلة المتحير ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله وانما جعلنا ذلك من المؤيدات لاحتمال ان يكون قوله ونزلت هذه الآية من كلام ابن بابويه لكنه خلاف الظاهر كما يفهم من سياق كلامه ويدل عليه أيضا ما رواه الكليني في الصحيح عن ابن أبي عمير (عن بعض أصحابنا عن زرارة) قال سألت أبا جعفر عليه السلام من قبلة المتحير فقال يصلي حيث يشاء قال الكليني بعد نقل هذا الخبر وروى أيضا انه يصلي إلى أربع جوانب ويؤيده في رواية داود بن الحصين المنقولة عند شرح قول المصنف قيل والى غير القبلة احتج الشيخ ومن تبعه برواية خداش (خراخ) المذكورة في المسألة السابقة والرواية (بالجملة) غير نفي السند ومدلولها نفي الاجتهاد بالكلية وهو متروك معارض بما دل على ثبوت الاجتهاد في الجملة فاذن لا تعويل على هذه الرواية واستدل في المعتبر على هذا القول بان الاستقبال بالصلاة واجب ما أمكن ولا يتحقق الاستقبال الا بذلك والجواب منع الصغرى مستندا بالروايات المذكورة ونقل عن السيد رضي الدين بن طاوس استعمال القرعة في الصورة المذكورة وعلى القول المشهور يعتبر في الجهات الأربع كونها على خطين مستقيمين وقع أحدهما على الأخر بحيث يحدث منهما زوايا قائمة لأنها المتبادر من النص وقيل بالاجتزاء بالأربع حيث اتفق وهو بعيد واشترط الشهيد في البيان التباعد بينهما بحيث لا يكون بين كل واحدة وبين الأخرى ما يعده قبلة واحدة لقلة الانحراف ومع العذر يصلي إلى اي جهة شاء المشهور بينهم ان مع العذر يصلي من الجهات ما احتمله الوقت وان ضاق الا عن صلاة واحدة صلى إلى اي جهة شاء لان التقدير تساوى الاحتمالات فيسقط الترجيح قال المحقق في المعتبر وكذا لو منعت ضرورة عن عدو أو سبع أو مرض والأعمى يقلد وكذا العامي الذي لا يتمكن عن الاجتهاد إما مطلقا أو لضيق الوقت هذا هو المشهور بين المتأخرين وبه صرح ابن الجنيد على ما نقل عنه والشيخ في المبسوط جوز تقليد العدل العارف وكلامه في الخلاف يعطى عدم جواز التقليد للأعمى وغيره ووجوب الصلاة إلى الأربع مع السعة والتخيير مع الضيق والأقرب الأول لأنه أحد الامارات المفيدة للظن فيجوز التعويل عليه عند عدم الامارة أقوى منه لما مر من الأدلة احتج الشيخ بان الأعمى ومن لا يعرف امارات القبلة إذا صليا إلى أربع جهات برئت ذمتهما بالاجماع وليس على براءة ذمتهما إذا صليا على واحدة دليل واستدل على التخيير عند الضرورة بان وجوب القبول من الغير لم يقم عليه دليل والصلاة على الجهات الأربع منفى يكون الحال حال ضرورة فثبت التخيير وجوابه معلوم ممن حققنا وجوز الشيخ في المبسوط جواز تقليد الصبي والمراة وقال المصنف في المختصر والوجه عندي اشتراط العدالة ومنع الشيخ من قبول الفاسق و الكافر واختار جماعة جواز الرجوع إليهم عند الوثوق وحصول الظن وهو أقرب للوجه الذي أشرنا إليه والمراد بالتقليد هنا قبول قول الغير سواء استند إلى الاجتهاد أو اليقين ويقدم العدل العارف بأدلة القبلة واماراتها فان تعذر فغيره والكل مشترط بإفادة الظن والظاهر وجوب الرجوع إلى أقوى الظنين فيدور الامر معه فلو وجد المكفوف محرابا فهو أولي وكذا تقليد المخبر عن علم أولي من تقديم المخبر عن ظن وكذا الكلام في صورة الاختلاف في العدالة والعلم والضبط والعدد وغيرها من الامارات وهل يجوز للعامي المتمكن من معرفة الأدلة التقليد في سعة الوقت المشهور بين المتأخرين عدم الجواز واحتمل في الذكرى الجواز وظاهر الشيخ في المبسوط جواز تقليد العدل العارف وهو غير بعيد لما ظهر من أدلة كمال المسامحة في رعاية القبلة ولو استغنى في البلد عن اعتبار العلامات فهل يجب (عليه التعلم يبنى على أن التعلم علامات القبلة هل يجب) عينا أو كفاية وكان الأكثر على الأول وماله في الذكرى إلى وجوب التعلم عينا عند عروض الحاجة كإرادة السفر مثلا ويعول على قبلة البلد مع عدم علم الخطأ اطلاق العبارة يشمل المحاريب المنصوبة في المساجد والطرق والقبور قال المصنف في التذكرة يجوز التعويل على المحاريب المنصوبة في بلاد المسلمين ولا يجب عليه الاجتهاد في طلب القبلة وقال في الذكرى لو كانت قرية صغيرة ونشأ فيها قرون من المسلمين لم يجتهد في قبلتها واطلاق كلامهم يقتضي عدم الفرق بين ما يفيد العلم والظن لكن المستفاد من حكمهم بوجوب تقديم العلم على الظن عدم جواز التعويل عليها للتمكن من العلم الا إذا أفادت اليقين ولعل الامر كذلك وعلل الحكم المذكور في الذكرى وغيره بان الخطاء في الجهة مع استمرار الخلق الكثير واتفاقهم ممتنع وهذا التعويل يختص بالمساجد القديمة التي يكون محضرا للمسلمين ومجمعا لهم لا للمساجد المستحدثة التي يقل وقوع المسلمين إليها وصرح جماعة منهم بعدم جواز التعويل على المحاريب المنصوبة في الطرق النادرة مرور المسلمين عليها ونحو القبر للمسلمين في الموضع المنقطع و الذي حكم به الأصحاب عدم جواز الاختيار في الجهة في محاريب المسلمين إما في التيامن أو التياسر فالأظهر الجواز لعموم الامر بالتحري وربما يمنع ذلك لان احتمال إصابة الخلق الكثير أقرب من احتمال إصابة الواحد وفيه انه يجوز تركهم الاجتهاد لعدم وجوبه فهذا التعليل انما يتم لو ثبت وجوب الاجتهاد عليهم ووقوعه عنهم ومنع ذلك ظاهر قال في الذكرى وقد وقع في زماننا واجتهاد بعض علماء الهيئة في قبلة مسجد دمشق وان فيه تياسر عن القبلة مع تواطؤا الاعصار الماضية على عدم ذلك ونقل عن عبد الله بن المبارك انه أمر أهل مرو بالتياسر بعد رجوعه من الحج ثم المراد بالبلد في كلام المصنف بلد المسلمين فلو وجد محراب في بلد لا يعلم أهله أو في بلد مشترك بين المسلمين والكفار لم يجز التعويل عليه والمضطر على الراحلة يستقبل القبلة في جميع صلاته ان تمكن والا فبالتكبير والا سقط ظاهر عبارة المصنف انه إذا لم يتمكن من الاستقبال في جميع الصلاة اكتفى بالاستقبال في التكبير فقط لكن المصنف في غير هذا الكتاب والمحقق والمتأخرون عنهما صرحوا بأنه يستقبل القبلة بحسب المكنة في أفعال الصلاة لقوله تعالى فولوا وجوهكم شطره وفيه خفاء لان المستفاد من الآية بمعونة بعض الأخبار وجوب الاستقبال في كل الصلاة لا في كل جزء جزء فإذا تعذر المكلف به فاثبات شئ اخر بدله يحتاج إلى دليل خاص وهذا بناء على أن التكليف بالكل ليس تكليفا بالاجزاء أصالة ويمكن الاستدلال عليه بقوله عليه السلام لا صلاة الا إلى القبلة فإنه من حيث المعنى يرجع إلى قولنا كل صلاة لم يستقبل فيها بتمامها إلى القبلة لم يصح خرج عنه بعض الصور التي دل الدليل على صحته فيبقى غيره داخلا في عموم الحكم ويؤيده قوله عليه السلام إذا أمرتكم بشئ فاتوا منه ما استطعتم لكن لا يخفى ان الشيخ قد روى باسنادين أحدهما من الصحاح عن زرارة قال قال أبو جعفر عليه السلام الذي يخاف اللصوص والسبع يصلي صلاة المرافقة ايماء على دابته وساق الكلام إلى أن قال ولا يدور إلى القبلة ولكن أينما دارت دابته غير أنه يستقبل القبلة بأول تكبيرة حيث يتوجه وروى الكليني باسناد صحيح عن زرارة بعض الخبر المذكور ومن جملتها قوله ولا يدور إلى القبلة إلى اخر ما نقلنا والمستفاد من هذا الخبر عدم وجوب الاستقبال في غير تكبيرة الاحرام ويؤيده في الجملة ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة وفضيل ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال في صلاة الخوف عند المطاردة والمناوشة وتلاحم القتال فإنه يصلي كل انسان منهم بالايماء حيث كان وجهه وفي صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام والمطاردة ايماء يصلي كل رجل على حباله فالحكم المذكور محل اشكال ولو تعذر عليه الاستقبال قيل يجب عليه تحرى الأقرب إلى جهة القبلة فالأقرب قيل وكان وجهه ان للقرب اثرا عند الشارع ولهذا افترقت الجهات في الاستدراك لو ظهر خفاء الاجتهاد وهو ضعيف وقيل بالعدم للخروج عن القبلة فيتساوى الجهات
(٢١٩)