وأما من أين يساق الهدي؟ فإن مالكا يرى أن من سنته أن يساق من الحل، ولذلك ذهب إلى أن من اشترى الهدي بمكة ولم يدخله من الحل أن عليه أن يقفه بعرفة، وإن ليفعل فعليه البدل. وأما إن كان أدخله من الحل فيستحب له أن يقفه بعرفة، وهو قول ابن عمر وبه قال الليث. وقال الشافعي والثوري وأبو ثور: وقوف الهدي بعرفة سنة، ولا حرج على من لم يقفه كان داخلا من الحل أو لم يكن. وقال أبو حنيفة: ليس توقيف الهدي بعرفة من السنة. وحجة مالك في إدخال الهدي من الحل إلى الحرم أن النبي عليه الصلاة والسلام كذلك فعل وقال: خذوا عني مناسككم وقال الشافعي: التعريف سنة مثل التقليد. وقال أبو حنيفة: ليس التعريف بسنة، وإنما فعل ذلك رسول الله (ص) لان مسكنه كان خارج الحرم. وروي عن عائشة التخيير في تعريف الهدي أو لا تعريفه. وأما محله فهو البيت العتيق كما قال تعالى: * (ثم محلها إلى البيت العتيق) * وقال:
* (هديا بالغ الكعبة) * وأجمع العلماء على أن الكعبة لا يجوز لاحد فيها ذبح، وكذلك المسجد الحرام. وأن المعنى في قوله: (هديا بالغ الكعبة) * أنه إنما أراد به النحر بمكة إحسانا منه لمساكينهم وفقرائهم. وكان مالك يقول: إنما المعنى في قوله: * (هديا بالغ الكعبة) * مكة، وكان لا يجيز لمن نحر هديه في الحرم إلا أن ينحره بمكة. وقال الشافعي وأبو حنيفة: إن نحره في غير مكة من الحرم أجزأه وقال الطبري: يجوز نحر الهدي حيث شاء المهدي إلا هدي القران، وجزاء الصيد فإنهما لا ينحران إلا بالحرم.
وبالجملة فالنحر بمنى إجماع من العلماء وفي العمرة بمكة. إلا ما اختلفوا فيه من نحر المحصر وعند مالك إن نحر للحج بمكة والعمرة بمنى أجزأه، وحجة مالك في أنه لا يجوز النحر بالحرم إلا بمكة قوله (ص): وكل فجاج مكة وطرقها منحر واستثنى مالك من ذلك هدي الفدية، فأجاز ذبحه بغير مكة. وأما متى ينحر فإن مالكا قال: إن ذبح هدي التمتع أو التطوع قبل يوم النحر لم يجزه، وجوزه أبو حنيفة في التطوع، وقال الشافعي: يجوز في كليهما قبل يوم النحر، ولا خلاف عند الجمهور أن ما عدل من الهدي بالصيام أنه يجوز حيث شاء، لأنه لا منفعة في ذلك لا لأهل الحرم ولا لأهل مكة، وإنما اختلفوا في الصدقة المعدولة عن الهدي فجمهور العلماء على أنها لمساكين مكة والحرم.
لأنها بدل من جزاء الصيد الذي هو لهم، وقال مالك: الاطعام كالصيام يجوز بغير مكة.
وأما صفة النحر فالجمهور مجمعون على أن التسمية مستحبة فيها لأنها زكاة، ومنهم من استحب مع التسمية التكبير. ويستحب للمهدي أن يلي نحر هديه بيده، وإن استخلف جاز. وكذلك