وحكم لحمه بعد النحر، فنقول: إنهم قد أجمعوا على أن الهدي المسوق في هذه العبادة منه واجب ومنه تطوع، فالواجب منه ما هو واجب بالنذر، ومنه ما هو واجب في بعض أنواع هذه العبادة، ومنه ما هو واجب لأنه كفارة. فأما ما هو واجب في بعض أنواع هذه العبادة فهو هدي المتمتع باتفاق وهدي القارن باختلاف. وأما الذي هو كفارة فهدي القضاء على مذهب من يشترط فيه الهدي، وهدي كفارة الصيد، وهدي إلقاء الأذى والتفث وما أشبه ذلك من الهدي الذي قاسه الفقهاء في الاخلال بنسك نسك منها على المنصوص عليه. فأما جنس الهدي فإن العلماء متفقون على أنه لا يكون الهدي إلا من الأزواج الثمانية التي نص الله عليها. وأن الأفضل في الهدايا هي الإبل ثم البقر ثم الغنم ثم المعز. وإنما اختلفوا في الضحايا. وأما الأسنان فإنهم أجمعوا أن الثني فما فوقه يجزي منها، وأنه لا يجزي الجذع من المعز في الضحايا والهدايا لقوله عليه الصلاة والسلام لأبي بردة:
تجزي عنك ولا تجزي عن أحد بعدك واختلفوا في الجذع من الضأن، فأكثر أهل العلم يقولون بجوازه في الهدايا والضحايا. وكان ابن عمر يقول: لا يجزي في الهدايا إلا الثني من كل جنس، ولا خلاف في أن الأغلى ثمنا من الهدايا أفضل. وكان الزبير يقول لبنيه:
يا بني لا يهدين أحدكم لله من الهدي شيئا يستحي أن يهديه لكريمه، فإن الله أكرم الكرماء وأحق من اختير له. وقال رسول الله (ص): في الرقاب. وقد قيل له أيها أفضل فقال:
أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها وليس في عدد الهدي حد معلوم، وكان هدي رسول الله (ص) مائة. وأما كيفية سوق الهدي فهو التقليد والاشعار بأنه هدي لان رسول الله (ص) خرج عام الحديبية، فلما كان بذي الحليفة قلد الهدي وأشعره وأحرم وإذا كان الهدي من الإبل والبقر فلا خلاف أنه يقلد نعلا أو نعلين أو ما أشبه ذلك لمن لم يجد النعال. واختلفوا في تقليد الغنم، فقال مالك وأبو حنيفة: لا تقلد الغنم. وقال الشافعي وأحمد وأبو ثور وداود: تقلد لحديث الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة أن النبي (ص) أهدى إلى البيت مرة غنما فقلده واستحبوا توجيهه إلى القبلة في حين تقليده، واستحب مالك الاشعار من الجانب الأيسر لما رواه عن نافع عن ابن عمر أنه كان إذا أهدى هديا من المدينة قلده وأشعره بذي الحليفة قلده قبل أن يشعره، وذلك في مكان واحد وهو موجه للقبلة يقلده بنعلين ويشعره من الشق الأيسر، ثم يساق معه حتى يوقف به مع الناس بعرفة، ثم يدفع به معهم إذا دفعوا، وإذا قدم منى غداة النحر نحره قبل أن يحلق أو يقصر، وكان هو ينحر هديه بيده يصفهن قياما ويوجههن للقبلة ثم يأكل ويطعم واستحب الشافعي وأحمد وأبو ثور الاشعار من الجانب الأيمن لحديث ابن عباس أن رسول الله (ص) صلى الظهر بذي الحليفة، ثم دعا ببدنة فأشعرها من صفحة سنامه الأيمن ثم سلت الدم عنها وقلدها بنعلين ثم ركب راحلته، فلما استوت على البيداء أهل بالحج.