وروي عن ابن عباس أنه قال: من فاته من نسكه شئ فعليه دم، وأما الذي هو نفل فلم يروا فيه دما، ولكنهم اختلف اختلافا كثيرا في ترك نسك نسك هل فيه دم أم لا؟ وذلك لاختلافهم فيه هل هو سنة أو نفل؟ وأما ما كان فرضا فلا خلاف عندهم أنه لا يجبر بالدم، وإنما يختلفون في الفعل الواحد نفسه من قبل اختلافهم هل هو فرض أم لا؟ وأما أهل الظاهر فإنهم لا يرون دما إلا حيث ورد النص لتركهم القياس وبخاصة في العبادات. وكذلك اتفقوا على أن ما كان من التروك مسنونا ففعل ففيه فدية الأذى، وما كان مرغبا فيه فليس فيه شئ.
واختلفوا في ترك فعل لاختلافهم هل هو سنة أم لا؟ وأهل الظاهر لا يوجبون الفدية إلا في المنصوص عليه ونحن نذكر المشهور من اختلاف الفقهاء في ترك نسك نسك: أعني في وجوب الدم أو لا وجوبه من أول المناسك إلى آخرها، وكذلك في فعل محظور محظور. فأول ما اختلفوا فيه من المناسك من جاوز الميقات فلم يحرم هل عليه دم؟ فقال قوم: لا دم عليه. وقال قوم: عليه الدم وإن رجع، وهو قول مالك وابن المبارك. وروي عن الثوري. وقال قوم: إن رجع إليه فليس عليه دم، وإن لم يرجع فعليه دم، وهو قول الشافعي وأبي يوسف ومحمد ومشهور قول الثوري. وقال أبو حنيفة: إن رجع ملبيا فلا دم، وإن رجع غير ملب كان عليه الدم. وقال قوم: هو فرض ولا يجبره بالدم. واختلفوا فيمن غسل رأسه بالخطمي. فقال مالك وأبو حنيفة يفتدي. وقال الثوري وغيره لا شئ عليه. ورأي مالك أن في الحمام الفدية.
وأباحه الأكثرون وروي عن ابن عباس من طريق ثابت دخوله. والجمهور على أنه يفتدي من لبس من المحرمين ما نهي عن لباسه. واختلفوا إذا لبس السراويل لعدم الإزار هل يفتدي أم لا؟ فقال مالك وأبو حنيفة: يفتدي، وقال الثوري وأحمد وأبو ثور وداود: لا شئ عليه إذا لم يجد إزارا. وعمدة من منع النهي المطلق وعمدة من لم ير فيه فدية حديث عمرو بن دينار عن جابر وابن عباس قال: سمعت رسول الله (ص) يقول السراويل لمن لم يجد الإزار والخف لمن لم يجد النعلين واختلفوا فيمن ليس الخفين مقطوعين مع وجود النعلين، فقال مالك عليه الفدية، وقال أبو حنيفة: لا فدية عليه. والقولان عن الشافعي. واختلفوا في لبس المرأة القفازين هل فيه فدية أم لا؟ وقد ذكرنا كثيرا من هذه الأحكام في باب الاحرام، وكذلك اختلفوا فيمن ترك التلبية هل عليه دم أم لا؟ وقد تقدم. واتفقوا على أن من نسي الطواف أو نسي شوطا من أشواطه أنه يعيده ما دام بمكة. واختلفوا إذا بلغ إلى أهله، فقال قوم منهم أبو حنيفة: يجزيه الدم، وقال قوم: بل يعيد ويجبر ما نقصه ولا يجزيه الدم. وكذلك اختلفوا في وجوب الدم على من ترك الرمل في الثلاثة الأشواط، وبالوجوب قال ابن عباس والشافعي وأبو حنيفة وأحمد وأبو ثور واختلف في ذلك قول مالك وأصحابه. والخلاف في هذه الأشياء كلها مبناه على أنه هل هو سنة أم لا؟ وقد تقدم القول في ذلك. وتقبيل الحجر أو تقبيل يده بعد وضعها عليه إذا لم يصل الحجر عند كل من لم يوجب الدم قياسا على المتمتع إذا تركه فيه دم.