والسبب الذي نزلت فيه من أسارى بدر يدل على أن القتل أفضل من الاستعباد، وأما هو عليه الصلاة والسلام فقد قتل الأسارى في غير ما موطن وقد من واستعبد النساء. وقد حكى أبو عبيد أنه لم يستعبد أحرار ذكور العرب، وأجمعت الصحابة بعده على استعباد أهل الكتاب ذكرانهم وإناثهم. فمن رأى أن الآية الخاصة بفعل الأسارى ناسخة لفعله قال: لا يقتل الأسير، ومن رأى أن الآية ليس فيها ذكر لقتل الأسير ولا المقصود منها حصر ما يفعل بالأسارى بل فعله عليه الصلاة والسلام وهو حكم زائد على ما في الآية ويحط العتب الذي وقع في ترك قتل أسارى بدر قال بجواز قتل الأسير، والقتل إنما يجوز إذا لم يكن يوجد بعد تأمين، وهذا ما لا خلاف فيه بين المسلمين، وإنما اختلفوا فيمن يجوز تأمينه ممن لا يجوز، واتفقوا على جواز تأمين الامام. وجمهور العلماء على جواز أمان الرجل الحر المسلم إلا ما كان من ابن الماجشون يرى أنه موقوف على إذن الإمام. واختلفوا في أمان العبد وأمان المرأة. فالجمهور على جوازه. وكان ابن الماجشون وسحنون يقولان: أمان المرأة موقوف على إذن الإمام. وقال أبو حنيفة: لا يجوز أمان العبد إلا أن يقاتل. والسبب في اختلافهم: معارضة العموم للقياس. أما العموم فقوله عليه الصلاة والسلام المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم فهذا يوجب أمان العبد بعمومه. وأما القياس المعارض له فهو أن الأمان من شرطه الكمال، والعبد ناقص بالعبودية. فوجب أن يكون للعبودية تأثير في إسقاطه قياسا على تأثيرها في اسقاط كثير من الأحكام الشرعية وأن يخصص ذلك العموم بهذا القياس. وأما اختلافهم في أمان المرأة، فسببه اختلافهم في مفهوم قوله عليه الصلاة والسلام قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ وقياس المرأة في ذلك على الرجل وذلك أن من فهم من قوله عليه الصلاة والسلام قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ إجازة أمانها لا صحته في نفسه، وأنه لولا إجازته لذلك لم يؤثر قال: لا أمان للمرأة إلا أن يجيزه الامام. ومن فهم من ذلك أن إمضاءه أمانها كان من جهة أنه قد انعقد وأثر لا من جهة أن إجازته هي التي صححت عقده قال: أمان المرأة جائز، وكذلك من قاسها على الرجل ولم ير بينهما فرقا في ذلك أجاز أمانها، ومن رأى أنها ناقصة عن الرجل لم يجز أمانها، وكيفما كان فالأمان غير مؤثر في الاستعباد وإنما يؤثر في القتل، وقد يمكن أن ندخل الاختلاف في هذا من قبل اختلافهم في ألفاظ جموع المذكر هل تتناول النساء أم لا؟ أعني بحسب العرف الشرعي. وأما النكاية التي تكون في النفوس فهي القتل ولا خلاف بين المسلمين أنه يجوز في الحرب قتل المشركين الذكران البالغين المقاتلين. وأما القتل بعد الأسر ففيه الخلاف الذي ذكرنا، وكذلك لا خلاف بينهم في أنه لا يجوز قتل صبيانهم ولا قتل نسائهم ما لم تقاتل المرأة والصبي، فإذا قاتلت المرأة استبيح دمها، وذلك لما ثبت أنه عليه الصلاة والسلام نهى عن قتل النساء والولدان وقال في
(٣٠٧)