مالك قبل الشروع في عمل الحج وأجازه أبو حنيفة. وسبب الخلاف: هل ينطلق اسم الحج على هذه الأيام المختلف فيها أم لا؟ وإن انطلق فهل من شرط الكفارة أن لا تجزئ إلا بعد وقوع موجبها؟ فمن قال: لا تجزي كفارة إلا بعد وقوع موجبها قال: لا يجزي الصوم إلا بعد الشروع في الحج، ومن قاسها على كفارة الايمان قال: يجزي.
واتفقوا أنه إذا صام السبعة الأيام في أهله أجزأه، واختلفوا إذا صامها في الطريق فقال مالك: يجزي الصوم، وقال الشافعي: لا يجزي. وسبب الخلاف: الاحتمال الذي في قوله سبحانه: * (إذا رجعتم) * فإن اسم الراجع ينطلق على من فرغ من الرجوع، وعلى من هو في الرجوع نفسه، فهذه هي الكفارة التي ثبتت بالسمع وهي من المتفق عليها. ولا خلاف أن من فاته الحج بعد أن شرع فيه إما بفوت ركن من أركانه، وإما من قبل غلطه في الزمان، أو من قبل جهله أو نسيانه أو إتيانه في الحج فعلا مفسدا له، فإن عليه القضاء إذا كان حجا واجبا، وهل عليه هدي مع القضاء؟ اختلفوا فيه، وإن كان تطوعا فهل عليه قضاء أم لا؟ الخلاف في ذلك كله، لكن الجمهور على أن عليه الهدي لكون النقصان الداخل عليه مشعرا بوجوب الهدي وشذ قوم فقالوا: لا هدي أصلا ولا قضاء إلا أن يكون في حج واجب، ومما يخص الحج الفاسد عند الجمهور دون سائر العبادات أنه يمضي فيه المفسد له ولا يقطعه، وعليه دم وشذ قوم فقالوا هو كسائر العبادات، وعمدة الجمهور ظاهر قوله تعالى: * (وأتموا الحج والعمرة لله) * فالجمهور عمموا والمخالفون خصصوا قياسا على غيرها من العبادات إذا وردت عليها المفسدات، واتفقوا على أن المفسد للحج أما من الأفعال المأمور بها فترك الأركان التي هي شرط في صحته على اختلافهم فيما هو ركن مما ليس بركن. وأما من التروك المنهي عنها فالجماع، وإن كانوا اختلفوا في الوقت الذي إذا وقع فيه الجماع كان مفسدا للحج. فأما إجماعهم على إفساد الجماع للحج فلقوله سبحانه: * (فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) * واتفقوا على أن من وطئ قبل الوقوف بعرفة فقد أفسد حجه، وكذلك من وطئ من المعتمرين قبل أن يطوف ويسعى. واختلفوا في فساد الحج بالوطئ بعد الوقوف بعرفة وقبل رمي جمرة العقبة وبعد رمي الجمرة وقبل طواف الإفاضة الذي هو الواجب، فقال مالك: من وطئ قبل رمي جمرة العقبة فقد فسد حجه وعليه الهدي والقضاء، وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة والثوري: عليه الهدي بدنة وحجة تام. وقد روي مثل هذا عن مالك. وقال مالك: من وطئ بعد رمي جمرة العقبة وقبل طواف الإفاضة فحجه تام، وبقول مالك في أن الوطئ قبل طواف الإفاضة لا يفسد الحج قال الجمهور: ويلزمه عندهم