نوعين: 1 - مباشرة، 2 - ونيابة. فأما المباشرة: فلا خلاف عنهم أن من شروطها الاستطاعة بالبدن، والمال مع الامن. واختلفوا في تفصيل الاستطاعة بالبدن والمال، فقال الشافعي، وأبو حنيفة وأحمد، وهو قول ابن عباس، وعمر بن الخطاب: أن من شرط ذلك الزاد، والراحلة. وقال مالك: من استطاع المشي، فليس وجود الراحلة من شرط الوجوب في حقه، بل يجب عليه الحج، وكذلك ليس الزاد عنده من شرط الاستطاعة، إذا كان ممن يمكنه الاكتساب في طريقه، ولو بالسؤال. والسبب فهذا الخلاف: معارضة الأثر الوارد في تفسير الاستطاعة لعموم لفظها، وذلك أنه ورد أثر عنه عليه الصلاة والسلام أنه سئل: ما الاستطاعة؟
فقال: الزاد، والراحلة. فحمل أبو حنيفة، والشافعي ذلك على كل مكلف، وحمله مالك على من لا يستطيع المشي، ولا له قوة على الاكتساب في طريقه وإنما اعتقد الشافعي هذا الرأي، لان من مذهبه إذا ورد الكتاب مجملا، فوردت السنة بتفسير ذلك المجمل أنه ليس ينبغي العدول عن ذلك التفسير. وأما وجوبه باستطاعة النيابة مع العجز عن المباشرة، فعند مالك وأبي حنيفة أنه لا تلزمه النيابة، إذا استطيعت مع العجز عن المباشرة. وعند الشافعي أنها تلزم، فليزم على مذهبه الذي عنده مال بقدر أن يحج به عنه غيره، إذا لم يقدر هو ببدنه أن يحج عنه غيره بماله، وإن وجد من يحج عنه بماله، وبدنه من أخ، أو قريب سقط عنه ذلك وهي المسألة التي يعرفونها بالمعضوب، وهو الذي لا يثبت على الراحلة وكذلك عنده الذي يأتيه الموت، ولم يحج يلزم ورثته عنده أن يخرجوا من ماله مما يحج به عنه. وسبب الخلاف في هذا: معارضة القياس للأثر، وذلك أن القياس يقتضي أن العبادات لا ينوب فيها أحد عن أحد، فإنه لا يصلي أحد عن أحد باتفاق، ولا يزكي أحد عن أحد، وأما الأثر المعارض لهذا، فحديث ابن عباس المشهور خرجه الشيخان، وفيه أن امرأة من خثعم قالت لرسول الله (ص): يا رسول الله فريضة الله في الحج على عباده، أدركت أبي شيخا كبيرا، لا يستطيع أن يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: نعم. وذلك في حجة الودع ... فهذا في الحي. وأما في الميت فحديث ابن عباس أيضا خرجه البخاري قال: جاءت امرأة من جهينة إلى النبي (ص)، فقالت: يا رسول الله: إن أمي نذرت الحج، فماتت، أفأحج عنها؟ قال: حجي عنها أرأيت لو كان عليها دين، أكنت قاضيته؟ دين الله أحق بالقضاء ولا خلاف بين المسلمين أنه يقع عن الغير تطوعا، وإنما الخلاف في وقوعه فرضا.
واختلفوا من هذا الباب في الذي يحج عن غيره سواء كان حيا، أو ميتا هل من شرطه أن يكون قد حج عن نفسه أم لا؟ فذهب بعضهم إلى أن ذلك ليس من شرطه، وإن كان قد أدى الفرض عنه نفسه، فذلك أفضل، وبه قال مالك فيمن يحج عن الميت، لان الحج عنده عن الحي لا يقع، وذهب آخرون إلى أن من شرطه أن يكون قد قضى فريضة نفسه، وبه قال الشافعي وغيره، أنه إن حج عن غيره من لم يقض فرض نفسه، انقلب إلى فرض نفسه.