الصحيحين، وفيه أن رجلا جاء إلى النبي (ص) بجبة مضمخة بطيب، فقال: يا رسول الله كيف ترى في رجل أحرم بعمرة في جبة بعدما تضمخ بطيب؟ فأنزل الوحي على رسول الله (ص) فلما أفاق قال: أين السائل عن العمرة آنفا؟ فالتمس الرجل، فأتي به، فقال عليه الصلاة والسلام: أما الطيب الذي بك فاغسله عنك ثلاث مرات، وأما الجبة، فانزعها، ثم اصنع ما شئت في عمرتك كما تصنع في حجتك اختصرت الحديث، وفقهه هو الذي ذكرت. وعمدة الفريق الثاني ما رواه مالك عن عائشة أنها قالت: كنت أطيب رأس رسول الله (ص) لاحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت. واعتل الفريق الأول بما روي عن عائشة أنها قالت: وقد بلغها إنكار ابن عمر تطيب المحرم قبل إحرامه يرحم الله أبا عبد الرحمن طيبت رسول الله (ص)، فطاف على نسائه، ثم أصبح محرما قالوا:
وإذا طاف على نسائه، اغتسل، فإنما يبقى عليه أثر ريح الطيب لا جرمه نفسه، قالوا: ولما كان الاجماع قد انعقد على أن كل ما لا يجوز للمحرم ابتداؤه، وهو محرم، مثل لبس الثياب، وقتل الصيد لا يجوز له استصحابه وهو محرم، فوجب أن يكون الطيب كذلك. فسبب الخلاف: تعارض الآثار في هذا الحكم. وأما المتروك الثالث، فهو مجامعة النساء، وذلك أنه أجمع المسلمون على أن وطئ النساء على الحاج حرام من حين يحرم لقوله تعالى:
* (فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) *. وأما الممنوع الرابع، فهو إلقاء التفث، وإزالة الشعر، وقتل القمل ولكن اتفقوا على أنه يجوز له غسل رأسه من الجنابة، واختلفوا في كراهية غسله من غير الجنابة، فقال الجمهور: لا بأس بغسله رأسه وقال مالك:
بكراهية ذلك وعمدته أن عبد الله بن عمر كان لا يغسل رأسه، وهو محرم إلا من الاحتلام.
وعمدة الجمهور ما رواه مالك عن عبد الله بن جبير أن ابن عبا س والمسور بن مخرمة اختلفا بالأبواء فقال عبد الله: يغسل المحرم رأسه، وقال المسور بن مخرمة: لا يغسل المحرم رأسه، قال: فأرسلني عبد الله بن عباس إلى أبي أيوب الأنصاري قال: فوجدته يغتسل بين القرنين: وهو مستتر بثوب، فسلمت عليه، فقال: من هذا؟ فقلت: عبد الله بن جبير، أرسلني إليك عبد الله بن عباس أسألك كيف كان رسول الله (ص) يغسل رأسه، وهو محرم، فوضع أبو أيوب يده على الثوب، فتطأطأ حتى بدا لي رأسه، ثم قال لإنسان يصب عليه، اصبب فصب على رأسه، ثم حرك رأسه بيديه، فأقبل بهما وأدبر، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله (ص) يفعل. وكان عمر يغسل رأسه، وهو محرم، ويقول: ما يزيده الماء إلا شعثا رواه مالك في الموطأ، وحمل مالك حديث أبي أيوب على غسل الجنابة، والحجة له إجماعهم على أن المحرم ممنوع من قتل القمل، ونتف الشعر، وإلقاء التفث، وهو الوسخ،