وعمدة هؤلاء حديث ابن عباس أن النبي (ص) سمع رجلا يقول: لبيك عن شبرمة، قال:
ومن شبرمة؟ فقال: أخ لي، أو قال: قريب لي، قال: أفحججت عن نفسك؟ قال: لا، قال:
فحج عن نفسك، ثم حج عن شبرمة. والطائفة الأولى عللت هذا الحديث بأنه قد روي موقوفا على ابن عباس. واختلفوا من هذا الباب في الرجل يؤاجر نفسه في الحج، فكر ذلك مالك، والشافعي، وقالا: إن وقع ذلك جاز ولم يجز ذلك أبو حنيفة وعمدته أنه قربة إلى الله عز وجل، فلا تجوز الإجارة عليه، وعمدة الطائف الأولى إجماعهم على جواز الإجارة في كتب المصاحف، وبناء المساجد، وهي قربة. والإجارة في الحج عند مالك نوعان: أحدهما: الذي يسميه أصحابه على البلاغ، وهو الذي يؤاجر نفسه على ما يبلغه من الزاد، والراحلة فإن نقص ما أخذه عن البلاغ، وفاه ما يبلغه، وإن فضل عن ذلك شئ، رده. والثاني: على سنة الإجارة، وإن نقص شئ، وفاه من عنده، وإن فضل شئ، فله.
والجمهور على أن العبد لا يلزمه الحج حتى يعتق، وأوجبه عليه بعض أهل الظاهر. فهذه معرفة على من تجب هذه الفريضة، وممن تقع. وأما متى تجب، فإنهم اختلفوا هل هي على الفور، أو على التراخي؟ والقولان متأولان على مالك، وأصحابه، والظاهر عند المتأخرين من أصحابه أنها على التراخي، وبالقول إنها على الفور قال البغداديون من أصحابه واختلف في ذلك قول أبي حنيفة وأصحابه، والمختار عندهم أنه على الفور.
وقال الشافعي: هو على التوسعة وعمدة من قال هو على التوسعة أن الحج فرض قبل حج النبي (ص) بسنين. فلو كان على الفور لما أخره النبي (ص)، ولو أخره لعذر، لبينه. وحجة الفريق الثاني: أنه لما كان مختصا بوقت، كان الأصل تأثيم تاركه حتى يذهب الوقت، أصله وقت الصلاة، والفرق عند الفريق الثاني بينه، وبين الامر بالصلاة أنه لا يتكرر وجوبه بتكرار الوقت، والصلاة بتكرر وجوبها بتكرار الوقت. وبالجملة فمن شبه أول وقت من أوقات الحج الطارئة على المكلف المستطيع بأول الوقت من الصلاة قال: هو على التراخي، ومن شبهه بآخر الوقت من الصلاة قال: هو على الفور، ووجه شبهه بآخر الوقت أنه ينقضي بدخول وقت لا يجوز فيه فعله، كما ينقضي وقت الصلاة بدخول وقت ليس يكون فيه المصلي مؤديا، ويحتج هؤلاء بالضرر الذي يلحق المكلف بتأخيره إلى عام آخر بما يغلب على الظن من إمكان وقوع الموت في مدة من عام. ويرون أنه بخلاف تأخير الصلاة من أول الوقت إلى آخره، لان الغالب أنه لا يموت أحد في مقدار ذلك الزمان إلا نادرا، وربما قالوا: إن التأخير في الصلاة يكون مع مصاحبة الوقت الذي يؤدي فيه الصلاة والتأخير ههنا يكون مع دخول وقت لا تصح فيه العبادة، فهو ليس يشبهه في هذا الامر المطلق، وذلك أن الامر المطلق عند من يقول: إنه على التراخي ليس يؤدي التراخي فيه إلى دخول وقت لا يصح فيه وقوع المأمور فيه كما يؤدي التراخي في الحج، إذا دخل