لم يجد الإزار، والخف لمن لم يجد النعلين. وجمهور العلماء على إجازة لباس الخفين مقطوعين لمن لم يجد النعلين، وقال أحمد: جائز لمن لم يجد النعلين أن يلبس الخفين غير مقطوعين أخذا بمطلق حديث ابن عباس. وقال عطاء: في قطعهما فساد، والله لا يحب الفساد. واختلفوا فيمن لبسهما مقطوعين مع وجود النعلين، فقال مالك: عليه الفدية، وبه قال أبو ثور وقال أبو حنيفة: لا فدية عليه. والقولان عن الشافعي وسنذكر هذا في الاحكام.
وأجمع العلماء على أن المحرم لا يلبس الثوب المصبوغ بالورس، والزعفران لقوله عليه الصلاة والسلام في حديث ابن عمر لا تلبسوا من الثياب شيئا مسه الزعفران، ولا الورس واختلفوا في المعصفر، فقال مالك ليس به بأس، فإنه ليس بطيب، وقال أبو حنيفة، والثوري: هو طيب، وفيه الفدية. وحجة أبي حنيفة ما خرجه مالك عن علي أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن لبس القسي، وعن لبس المعصفر. وأجمعوا على أن إحرام المرأة في وجهها، وأن لها أن تغطي رأسها وتستر شعرها، وأن لها أن تسدل ثوبها على وجهها من فوق رأسها سدلا خفيفا، تستر به عن نظر الرجال إليها، كنحو ما روي عن عائشة أنها قالت: كنا مع رسول الله (ص)، ونحن محرمون، فإذا مر بنا ركب، سدلنا على وجوهنا الثوب من قبل رؤوسنا، وإذا جاوز الركب، رفعناه. ولم يأت تغطية وجوههن إلا ما رواه مالك عن فاطمة بنت المنذر أنها قالت: كنا نخمر وجوهنا، ونحن محرمات مع أسماء بنت أبي بكر الصديق. واختلفوا في تخمير المحرم وجهه بعد إجماعهم على أنه لا يخمر رأسه، فروى مالك عن ابن عمر أن ما فوق الذقن من الرأس لا يخمره المحرم وإليه ذهب مالك وروي عنه أنه إن فعل ذلك، ولم ينزعه من مكانه، افتدى. وقال الشافعي والثوري، وأحمد، وأبو داود، وأبو ثور. يخمر المحرم وجهه إلى الحاجبين وروي من الصحابة عن عثمان، وزيد بن ثابت وجابر، وابن عبا س، وسعد بن أبي وقاص. واختلفوا في لبس القفازين للمرأة، فقال مالك: إن لبست المرأة القفازين افتدت، ورخص فيه الثوري، وهو مروي عن عائشة.
والحجة لمالك ما خرجه أبو داود عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه نهى عن النقاب، والقفازين وبعض الرواة يرويه موقوفا عن ابن عمر، وصححه بعض رواة الحديث، أعني رفعه إلى النبي عليه الصلاة والسلام. فهذا هو مشهور اختلافهم، واتفاقهم في اللباس.
وأصل الخلاف في هذا كله: اختلافهم في قياس بعض المسكوت عنه على المنطوق به، واحتمال اللفظ المنطوق به، وثبوته، أو لا ثبوته. وأما الشئ الثاني من المتروكات، فهو الطيب، وذلك أن العلماء أجمعوا على أن الطيب كله يحرم على المحرم بالحج، والعمرة في حال إحرامه. واختلفوا في جوازه للمحرم عند الاحرام قبل أن يحرم لما يبقى من أثره عليه بعد الاحرام، فكرهه قوم وأجازه آخرون، وممن كرهه مالك، ورواه عن عمر بن الخطاب وهو قول عثمان، وابن عمر، وجماعة من التابعين، وممن أجازه أبو حنيفة والشافعي، والثوري، وأحمد، وداود. والحجة لمالك رحمه الله من جهة الأثر حديث صفوان بن يعلى ثبت في