مالك: لا يرفع المحرم صوته في مساجد الجماعة، بل يكفيه أن يسمع من يليه، إلا في المسجد الحرام، ومسجد منى، فإنه يرفع صوته فيهما.
واستجب الجمهور رفع الصوت عند التقاء الرفاق، وعند الاطلال على شرف من الأرض، وقال أبو حازم: كان أصحاب رسول الله (ص) لا يبلغون الروحاء حتى تبح حلوقهم. وكان مالك لا يرى التلبية من أركان الحج، ويرى على تاركها دما، وكان غيره يراها من أركانه. وحجة من رآها واجبة أن أفعاله (ص)، إذا أتت بيانا لواجب أنها محمولة على الوجوب حتى يدل الدليل على غير ذلك، لقوله عليه الصلاة والسلام خذوا عني مناسككم وبهذا يحتج من أوجب لفظه فيها فقط، ومن لم ير وجوب لفظه، فاعتمد في ذلك على ما روي من حديث جابر قال أهل رسول الله (ص)، فذكر التلبية التي في حديث ابن عمر، وقال في حديثه والناس يزيدون على ذلك لبيك ذا المعارج، ونحوه من الكلام، والنبي يسمع، ولا يقول شيئا وما روي عن ابن عمر أنه كان يزيد في التلبية، وعن عمر بن الخطاب، وعن أنس وغيره. واستحب العلماء أن يكون ابتداء المحرم بالتلبية بأثر صلاة يصليها فكان مالك يستحب ذلك بأثر نافلة لما روى من مرسله عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله (ص) كان يصلي في مسجد ذي الحليفة ركعتين، فإذا استوت به راحلته أهل. واختلفت الآثار في الموضع الذي أحرم منه رسول الله (ص) بحجته من أقطار ذي الحليفة، فقال قوم: من مسجد ذي الحليفة بعد أن صلى فيه، وقال آخرون: إنما أحرم حين أطل على البيداء، وقال قوم: إنما أهل حين استوت به راحلته. وسئل ابن عباس عن اختلافهم في ذلك، فقال: كل حدث لا عن أول إهلاله عليه الصلاة والسلام، بل عن أول إهلال سمعه. وذلك أن الناس يأتون متسابقين. فعلى هذا لا يكون في هذا اختلاف ويكون الاهلال إثر الصلاة. وأجمع فقهاء الأمصار على أن المكي لا يلزمه الاهلال، حتى إذا خرج إلى منى، ليتصل له عمل الحج. وعمدتهم ما رواه مالك عن ابن جريج أنه قال لعبد الله بن عمر: رأيتك تفعل هنا أربعا لم أر أحدا يفعلها فذكر منها:
ورأيتك إذا كنت بمكة أهل الناس، إذا رأوا الهلال، ولم تهل أنت إلى يوم التروية، فأجابه ابن عمر: أما الاهلال، فإني لم أر رسول الله (ص) يهل حتى تنبعث به راحلته، يريد حتى يتصل له عمل الحج. وروى مالك أن عمر بن الخطاب كان يأمر أهل مكة أن يهلوا، إذ رأوا الهلال. ولا خلاف عندهم أن المكي لا يهل إلا من جوف مكة، إذا كان حاجا وأما إذا كان معتمرا، فإنهم أجمعوا على أنه يلزمه أن يخرج إلى الحل، ثم يحرم منه، ليجمع بين الحل، والحرم، كما يجمع الحاج، أعني لأنه يخرج إلى عرفة، وهو حل وبالجملة، فاتفقوا على أنها سنة المعتمر، واختلفوا إن لم يفعل، فقال قوم: يجزيه، وعليه دم، وبه قال أبو حنيفة، وابن القاسم، وقال آخرون: لا يجزيه، وهو قول الثوري، وأشهب.