مطلق الصوم، أجزأه، وكذلك إن نوى فيه صيام غير رمضان أجزاه، وانقلب إلى صيام رمضان، إلا أن يكون مسافرا، فإنه إذا نوى المسافر عنده في رمضان، صيام غير رمضان، كان ما نوى، لأنه لم يجب عليه صوم رمضان وجوبا معينا، ولم يفرق صاحباه بين المسافر، والحاضر وقالا: كل صوم نوي في رمضان، انقلب إلى رمضان. وسبب اختلافهم: هل الكافي في تعيين النية في هذه العبادة، هو تعيين جنس العبادة، أو تعيين شخصها، وذلك أن كلا الأمرين موجود في الشرع، مثال ذلك أن النية في الوضوء يكفي منها اعتقاد الحد ث، لأي شئ كان من العبادة التي الوضوء شرط في صحتها، وليس يختص عبادة عبادة بوضوء، وضوء.
وأما الصلاة، فلا بد فيها من تعيين شخص العبادة، فلا بد من تعيين الصلاة، إن عصرا، فعصرا، وإن ظهرا، فظهرا. وهذا كله على المشهور عند العلماء، فتردد الصوم عند هؤلاء بين هذين الجنسين فمن ألحقه بالجنس الواحد قال: يكفي في ذلك اعتقاد الصوم فقط ومن ألحقه بالجنس الثاني، اشترط تعيين الصوم. واختلافهم أيضا في إذا نوى في أيام رمضان صوما آخر هل ينقلب، أو لا ينقلب؟ سببه أيضا أن من العبادة عندهم من ينقلب من قبل أن الوقت الذي توقع فيه مختص بالعبادة التي تنقلب إليه، ومنها ما ليس ينقلب أما التي لا تنقلب، فأكثرها، وأما التي تنقلب باتفاق، فالحج. وذلك أنهم قالوا: إذا ابتدأ الحج تطوعا من وجب عليه الحج، انقلب التطوع إلى الفرض، ولم يقولوا ذلك في الصلاة، ولا في غيرها.
فمن شبه الصوم بالحج، قال ينقلب، ومن شبهه بغيره من العبادات قال: لا ينقلب. وأما اختلافهم في وقت النية، فإن مالكا رأى أنه لا يجزئ الصيام إلا بنية قبل الفجر، وذلك في جميع أنواع الصوم. وقال الشافعي: تجزئ النية بعد الفجر في النافلة، ولا تجزئ في الفروض. وقال أبو حنيفة: تجزئ النية بعد الفجر في الصيام المتعلق وجوبه بوقت معين مثل رمضان، ونذر أيام محدودة، وكذلك في النافلة ولا يجزئ في الواجب في الذمة.
والسبب في اختلافهم: تعارض الآثار في ذلك. أما الآثار المتعارضة في ذلك، فأحدها: ما خرجه البخاري عن حفصة أنه قال عليه الصلاة والسلام من لم يبيت الليل من الصيام، فلا صيام له ورواه مالك موقوفا قال أبو عمر: حديث حفصة في إسناده اضطراب. والثاني:
ما رواه مسلم عن عائشة قالت: قال لي رسول الله (ص) ذات يوم يا عائشة هل عندكم شئ؟ قالت: قلت: يا رسول الله ما عندنا شئ، قال: فإني صائم ولحديث معاوية أنه قال على المنبر: يا أهل المدينة أين علماؤكم سمعت رسول الله (ص) يقول اليوم:
هذا يوم عاشوراء، ولم يكتب علينا صيامه، وأنا صائم، فمن شاء منكم، فليصم، وما شاء، فليفطر فمن ذهب مذهب الترجيح، أخذ بحديث حفصة، ومن ذهب مذهب الجمع، فرق بين النفل، والفرض، أعني حمل حديث حفصة على الفرض وحديث عائشة، ومعاوية على النفل، وإنما فرق أبو حنيفة بين الواجب المعين، والواجب في الذمة، لان الواجب المعين له وقت مخصوص