ليس بمغذ، وفيما يرد الجوف من غير منفذ الطعام، والشراب مثل الحقنة، وفيما يرد باطن سائر الأعضاء، ولا يرد الجوف مثل أن يرد الدماغ، ولا يرد المعدة. وسبب اختلافهم في هذه:
هو قيا س المغذي على غير المغذي، وذلك أن المنطوق به إنما هو المغذي، فمن رأى أن المقصود بالصوم معنى معقول، لم يلحق المغذي بغير المغذي، ومن رأى أنها عبادة غير معقولة، وأن المقصود منها، إنما هو الامساك فقط عما يرد الجوف سوى بين المغذي، وغير المغذي. وتحصيل مذهب مالك أنه يجب الامساك عما يصل إلى الحلق من أي المنافذ وصل مغذيا كان، أو غير مغذ. وأما ما عدا المأكول، والمشروب من المفطرات، فكلهم يقولون: إن من قبل، فأمنى، فقد أفطر، وإن أمذى فلم يفطر إلا مالك. واختلفوا في القبلة للصائم، فمنهم من أجازها، ومنهم من كرهها للشاب، وأجازها للشيخ، ومنهم من كرهها على الاطلاق فمن رخص فيها، فلما روي من حديث عائشة، وأم سلمة أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقبل، وهو صائم. ومن كرهها، فلما يدعو إليه من الوقاع وشذ قوم، فقالوا: القبلة تفطر. واحتجوا لذلك بما روي عن ميمونة بنت سعد، قالت: سئل رسول الله (ص) عن القبلة للصائم، فقال: أفطرا جميعا خرج هذا الأثر الطحاوي، ولكن ضعفه. وأما ما يقع من هذه من قبل الغلبة، ومن قبل النسيان، فالكلام فيه عند الكلام في المفطرات، وأحكامها. وأما ما اختلفوا فيه مما هو منطوق به، فالحجامة، والقئ. أما الحجامة، فإن فيها ثلاثة مذاهب، قوم قالوا: إنها تفطر، وأن الامساك عنها واجب، وبه قال أحمد، وداود، والأوزاعي، وإسحق بن راهويه وقوم قالوا: إنها مكروهة للصائم، وليست تفطر وبه قال مالك، والشافعي، والثوري وقوم قالوا: إنها غير مكروهة، ولا مفطرة، وبه قال أبو حنيفة، وأصحابه. وسبب اختلافهم: تعارض الآثار الواردة في ذلك، وذلك أنه ورد في ذلك حديثان: أحدهما: ما روي من طريق ثوبان، ومن طريق رافع بن خديج أنه عليه الصلاة والسلام قال: أفطر الحاجم، والمحجوم وحديث ثوبان هذا كان يصححه أحمد.
والحديث الثاني: حديث عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله (ص) احتجم، وهو صائم وحديث ابن عباس هذا صحيح. فذهب العلماء في هذين الحديثين ثلاثة مذاهب: أحدهما:
مذهب الترجيح. والثاني: مذهب الجمع. والثالث: مذهب الاسقاط عند التعارض، والرجوع إلى البراءة الأصلية، إذا لم يعلم الناسخ من المنسوخ، فمن ذهب مذهب الترجيح قال بحديث ثوبان وذلك أن هذا موجب حكما، وحديث ابن عباس رافعه، والموجب مرجح عند كثير من العلماء على الرافع، لان الحكم إذا ثبت بطريق يوجب العمل، لم يرتفع إلا بطريق يوجب العمل برفعه، وحديث ثوبان قد وجب العمل به، وحديث ابن عباس يحتمل أن يكون ناسخا، ويحتمل أن يكون منسوخا، وذلك شك، والشك لا يوجب عملا، ولا يرفع العلم الموجب للعمل، وهذا على طريقة من لا يرى الشك مؤثرا في العلم، ومن رام