والفطر كما فرق الشافعي. وسبب اختلافهم: اختلاف الآثار في هذا الباب، وتردد الخبر في ذلك بين أن يكون من باب الشهادة، أو من باب العمل بالأحاديث التي لا يشترط فيها العدد. أما الآثار، فمن ذلك ما أخرجه أبو داود عن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب أنه خطب الناس في اليوم الذي يشك فيه فقال: إني جالست أصحاب رسول الله (ص)، وسألتهم. وكلهم حدثوني أن رسول الله (ص) قال: صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم، فأتموا ثلاثين، فإن شهد شاهدان فصوموا، وأفطروا. ومنها حديث ابن عباس أنه قال: جاء أعرابي إلى النبي (ص)، فقال: أبصرت الهلال الليلة، فقال: أتشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله؟ قال: نعم. قال: يا بلال أذن في الناس، فليصوموا غدا خرجه الترمذي قال: وفي إسناده خلاف، لأنه رواه جماعة مرسلا ومنها حديث ربعي بن خراش خرجه أبو داود عن ربعي بن خراش عن رجل من أصحاب رسول الله (ص) قال:
كان الناس في آخر يوم من رمضان، فقام أعرابيان، فشهدا عند النبي (ص) لأهل الهلال أمس عشية، فأمر رسول الله (ص) الناس أن يفطروا، وأن يعودوا إلى المصلى. فذهب الناس في هذه الآثار مذهب الترجيح، ومذهب الجمع: فالشافعي: جمع بين حديث ابن عباس، وحديث ربعي بن خراش على ظاهرهما، فأوجب الصوم بشهادة واحد، والفطر باثنين، ومالك رجح حديث عبد الرحمن بن زيد لمكان القياس: أعني تشبيه ذلك بالشهادة في الحقوق، ويشبه أن يكون أبو ثور لم ير تعارضا بين حديث ابن عباس وحديث ربعي بن خراش، وذلك أن الذي في حديث ربعي ابن خراش أنه قضى بشهادة اثنين، وفي حديث ابن عباس أنه قضى بشهادة واحد، وذلك مما يدل على جواز الامرين جميعا، لا أن ذلك تعارض ولا أن الفضاء الأول مختص بالصوم، والثاني بالفطر، فإن القول بهذا إنما ينبني على توهم التعارض، وكذلك يشبه أن لا يكون تعارض بين حديث عبد الرحمن بن زيد، وبين حديث ابن عباس إلا بدليل الخطاب وهو ضعيف، إذا عارضه النص، فقد نرى أن قول أبي ثور على شذوذه هو أبين، مع أن تشبيه الرائي بالراوي، هو أمثل من تشبيهه بالشاهد، لان الشهادة، إما أن يقول إن اشتراط العدد فيها عبادة غير معللة، فلا يجوز أن يقاس عليها، وإما أن يقول: إن اشتراط العدد فيها لموضع التنازع الذي في الحقوق، والشبهة التي تعرض من قبل قول أحد الخصمين، فاشترط فيها العدد، وليكون الظن أغلب والميل إلى حجة أحد الشخصين أقوى، ولم يتعد بذلك الاثنين لئلا يعسر قيام الشهادة، فتبطل الحقوق، وليس في رؤية القمر شبهة من مخالف توجب الاستظهار بالعدد، ويشبه أن يكون الشافعي إنما فرق بين هلال الفطر، وهلال الصوم للتهمة التي تعرض للناس في هلال الفطر، ولا تعرض في هلال الصوم، ومذهب أبي بكر بن المنذر، هو مذهب أبي ثور وأحسبه هو مذهب أهل الظاهر وقد احتج أبو بكر بن المنذر لهذا الحديث بانعقاد الاجماع على وجوب الفطر،