والامساك عن الأكل بقول واحد، فوجب أن يكون الامر كذلك في دخول الشهر، وخروجه، إذ كلاهما علامة تفصل زمان الفطر من زمان الصوم، وإذا قلنا إن الرؤية تثبت بالخبر في حق من لم يره، فهل يتعدى ذلك من بلد إلى بلد؟ أعني هل يجب على أهل بلد ما إذا لم يروه أن يأخذوا في ذلك برؤية بلد آخر، أم لكل بلد رؤية؟ فيه خلاف، فأما مالك، فإن ابن القاسم، والمصريين رووا عنه أنه إذا ثبت عند أهل بلد أن أهل بلد آخر رأوا الهلال أن عليهم قضاء ذلك اليوم الذي أفطروه، وصامه غيرهم، وبه قال الشافعي، وأحمد. وروى المدنيون عن مالك أن الرؤية لا تلزم بالخبر عند غير أهل البلد الذي وقعت فيه الرؤية، إلا أن يكون الامام يحمل الناس على ذلك، وبه قال ابن الماجشون، والمغيرة من أصحاب مالك. وأجمعوا أنه لا يراعى ذلك في البلدان النائية كالأندلس، والحجاز. والسبب في هذا الخلاف:
تعارض الأثر، والنظر، أما النظر، فهو أن البلاد إذا لم تختلف مطالعها كل الاختلاف، فيجب أن يحمل بعضها على بعض لأنها في قياس الأفق الواحد. وأما إذا اختلفت اختلافا كثيرا فليس يجب أن يحمل بعضها على بعض. وأما الأثر: فما رواه مسلم عن كريب أن أم الفضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية بالشام فقال قدمت الشام، فقضيت حاجتها، واستهل علي رمضان، وأنا بالشام، فرأيت الهلال ليلة الجمعة، ثم قدمت المدينة في آخر الشهر، فسألني عبد الله بن عباس، ثم ذكر الهلال، فقال: متى رأيتم الهلال؟ فقلت رأيته ليلة الجمعة، فقال: أنت رأيته؟ فقلت: نعم، ورآه الناس، وصاموا، وصام معاوية، قال: لكنا رأيناه ليلة السبت، فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين يوما، أو نراه، فقلت: ألا تكتفي برؤية معاوية؟
فقال: لا. هكذا أمرنا النبي عليه الصلاة والسلام. فظاهر هذا الأثر يقتضي أن لكل بلد رؤيته قرب أو بعد، والنظر يعطي الفرق بين البلاد النائية، والقريبة، وبخاصة ما كان نأيه في الطول، والعرض كثيرا، وإذا بلغ الخبر مبلغ التواتر، لم يحتج فيه إلى شهادة. فهذه هي المسائل التي تتعلق بزمان الوجوب. وأما التي تتعلق بزمان الامساك: فإنهم اتفقوا على أن آخره غيبوبة الشمس لقوله تعالى: * (ثم أتموا الصيام إلى الليل) * واختلفوا في أوله فقال الجمهور: هو طلوع الفجر الثاني المستطير الأبيض لثبوت ذلك عن رسول الله (ص)، أعني حده بالمستطير، ولظاهر قوله تعالى: * (حتى يتبين لكم الخيط الأبيض) * الآية وشذت فرقة، فقالوا: هو الفجر الأحمر الذي يكون بعد الأبيض وهو نظير الشفق الأحمر وهو مروي عن حذيفة، وابن مسعود. وسبب هذا الخلاف: هو اختلاف الآثار في ذلك، واشتراك اسم الفجر، أعني أنه يقال: على الأبيض، والأحمر. وأما الآثار التي احتجوا بها، فمنها: حديث زر عن حذيقة قال تسحرت مع النبي (ص)، ولو أشاء أن أقول: هو النهار إلا