رسول الله (ص) يوتر ب * (سبح اسم ربك الأعلى) * و * (قل يا أيها الكافرون) * و * (قل هو الله أحد) * وعن عائشة مثله، وقالت في الثالثة ب * (قل هو الله أحد) *، والمعوذتين. وأما وقته: فإن العلماء اتفقوا على أن وقته من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر لورود ذلك من طرق شتى عنه عليه الصلاة والسلام، ومن أثبت ما في ذلك ما خرج مسلم عن أبي نضرة العوفي أن أبا سعيد أخبرهم أنهم سألوا النبي (ص) عن الوتر، فقال: الوتر قبل الصبح. واختلفوا في جواز صلاته بعد الفجر، فقوم منعوا ذلك، وقوم أجازوه ما لم يصلي الصبح، وبالقول الأول قال أبو يوسف ومحمد بن الحسن صاحبا أبي حنيفة، وسفيان الثوري، وبالثاني قال الشافعي ومالك وأحمد. وسبب اختلافهم: معارضة عمل الصحابة في ذلك بالآثار، وذلك أن ظاهر الآثار الواردة في ذلك أن لا يجوز أن يصلى بعد الصبح كحديث أبي نضرة المتقدم، وحديث أبي حذيفة العدوي في هذا خرجه أبو داود وفيه: وجعلها لكم ما بين صلاة العشاء إلى أن يطلع الفجر ولا خلاف بين أهل الأصول أن ما بعد إلى بخلاف ما قبلها إذا كانت غاية، وأن هذا، وإن كان من باب دليل الخطاب، فهو من أنواعه المتفق عليها، مثل قوله: * (ثم أتموا الصيام إلى الليل) * وقوله: * (إلى المرافق) * لا خلاف بين العلماء أن ما بعد الغاية بخلاف ما قبل الغاية. وأما العمل المخالف في ذلك للأثر، فإنه روي عن ابن مسعود، وابن عباس، وعباده بن الصامت، وحذيفة، وأبي الدرداء وعائشة أنهم كانوا يوترون بعد الفجر، وقبل صلاة الصبح، ولم يرو عن غيرهم من الصحابة خلاف هذا وقد رأى قوم أن مثل هذا هو داخل في باب الاجماع ولا معنى لهذا، فإنه ليس ينسب إلى ساكت قول قائل: أعني أنه ليس ينسب إلى الاجماع من لم يعرف له قول في المسألة. وأما هذه المسألة فكيف يصح أن يقال إنه لم يرو في ذلك خلاف عن الصحابة، وأي خلاف أعظم من خلاف الصحابة الذين رووا هذه الأحاديث، أعني خلافهم لهؤلاء الذين أجازوا صلاة الوتر بعد الفجر؟ والذي عندي في هذا أن هذا من فعلهم ليس مخالفا الآثار الواردة في ذلك، أعني في إجازتهم الوتر بعد الفجر بل إجازتهم ذلك هو من باب القضاء، لا من باب الأداء، وإنما يكون قولهم خلاف الآثار لو جعلوا صلاته بعد الفجر من باب الأداء، فتأمل هذا، وإنما يتطرق الخلاف لهذه المسألة من باب اختلافهم في هل القضاء في العبادة المؤقتة يحتاج إلى أمر جديد أم لا؟ أعني غير أمر الأداء، وهذا التأويل بهم أليق، فإن أكثر ما الوتر قبل الصلاة، وبعد الفجر، وإن كان
(١٦٢)