القود إن أمر بذلك * برهان ذلك قول الله تعالى: (قد جعل الله لكل شئ قدرا) فعلمنا يقينا أن لضرب الحدود قدرا لا يتجاوزه وقدرا لا ينحط عنه بنص القرآن فطلبنا ذلك فوجدنا أدنى أقداره أن يؤلم فما نقص عن الألم فليس من أقداره وهذا مالا خلاف فيه من أحد وكان أعلى أقداره نهاية الألم في الزنا مع السلامة من كل ما ذكرنا ثم الحطيطة من الألم على حسب ما وصفنا، فأما المنع من كل ما ذكرنا فلقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام " فحرمت إسالة الدم نصا إذ هرق الدم حرام الا ما أباحه نص أو اجماع ولا نص ولا اجماع على إباحة إسالة الدم في شئ من الحدود نعم ولا عن أحد من التابعين، وأما تعفن اللحم فقد نص رسول الله صلى الله عليه وآله على تحريم البشرة فلا يحل منها الا ما أحله نص أو اجماع وإنما صح النص والاجماع على اباحتها للألم فقط وأما كسر العظام فلا يقول بإباحته في ضرب الحدود أحد من الأمة بلا شك * قال أبو محمد رحمه الله: ومن خالفنا في هذه الأشياء سألناه الشدة الضرب في ذلك حد أم لا؟ (فان قالوا): لا تركوا قولهم وخالفوا الاجماع ولزمهم أن يبيحوا أن يجلد في كل ذلك بسوط مملوء حديدا أو رصاصا يقتل من ضربه وهذا لا يقوله أحد من الأمة (وان قالوا): ان لذلك حدا وقدرا نقف عنده فلا يحل تجاوزه سئلوا عن ذلك فان حدوا فيه غير ما حددنا كانوا متحكمين في الدين بلا برهان، (فان قالوا): ان الحدود إنما جعلت للردع (قلنا لهم): كلا ما ذلك كما تقولون إنما ردع الله تعالى بالتحريم وبالوعيد في الآخرة فقط واما بالحدود فإنما جعل الله تعالى كما شاء ولم يخبرنا الله تعالى انها للردع ولو كانت للردع كما تدعون لكان ألف سوط أردع من مائة ومن ثمانين.
ومن أربعين ومن خمسين، ولكان قطع اليدين والرجلين اردع من قطع يد واحدة ولكنا نقول: هي نكال وعقوبة وعذاب وجزاء وخزي كما قال الله تعالى في المحاربة:
(إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون) الآية. وقال تعالى: (فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) وقال تعالى في القاذف: (ان الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا) الآية وقال تعالى: (والسارق والسارقة) الآية وقال تعالى: (الزانية والزاني) الآية وإنما التسمية في الدين إلى الله تعالى لا إلى الناس فصح أنه تعالى جعلها كما شاء حيث شاء ولم يجعلها حيث لم يشأ * قال أبو محمد رحمه الله: فإذ قد صح ما ذكرنا. وصح مقدار الضرب الذي لا يتجاوز فقد صح أن من تجاوز ذلك المقدار فإنه متعد لحدود الله تعالى وهو عاص بذلك ولا