فإذا كمل نضجه صار لونه أسود يلي الشقرة قليلا، قريبا من لون السنبل الهندي وحرارته أقوى من حرارة السنبل الهندي إلا أن يبسه أقل. وزعم جالينوس أن قوته من جنس قوة السنبل الهندي، إلا أنه أضعف فعلا منه في جميع ما ذكرناه من العلاج، إلا في درور البول فقط، فإن الرومي في ذلك أقوى. ومما يدل على زيادة قوة الهندي على الرومي زيادة عطريته وذكاء رائحته والتذاذ الطباع به وإن كانت (1) منفعة السنبل الرومي للمعدة أيضا ليست باليسيرة، إلا أنها دون منفعة الهندي.
والمختار من الرومي ما كان حديثا ذكي الرائحة له أصل كبير ممتلئ بطئ الانفراك. ومن خاصته أنه إذا شرب بطبيخ الأفسنتين، حلل رياح المعدة والكبد والطحال، ونفع من اليرقان العارض من سدد الكبد والمرارة. وإذا شرب بخل، حلل أورام الطحال من نهش الهوام، ومن أوجاع الكلى والمثانة، وأدر البول والطمث. وإذا دق وشرب، نقى الصدر والرئة والمثانة، والأرحام بدروره البول والطمث.
وماء طبيخه يفعل مثل ذلك. ومن خاصة أصل هذا السنبل أن الاكثار منه يصدع.
وأما السنبل البري فزعم قوم أنه الأسارون وقوته قوة مسخنة لذاعة للسان شبيهة بقوة الأقارون المعروف بالوج وأقوى منه قليلا. ولذلك صار مدرا للبول والطمث، منقيا للكبد وأوراد الأرحام بدروره كذلك. وإذا شرب منه أربعة مثاقيل بماء العسل أسهل كإسهال الحربق الأبيض ونفع من الاستسقاء وعرق النساء وأوجاع المفاصل والأوراك.
وأما السبل الجبلي فإن قوته وفعله كقوة السنبل البري وفعله، وأما ديسقيريدس فإنه قسم السنبل قسمة أولية على ضربين: أحدهما الهندي، والآخر الرومي. وقسم الهندي أيضا على ضربين وقال أن منه نوعا يعرف بالهندي على الحقيقة، اشتق له هذا الاسم من بلد الهند. ومنه نوع يعرف بالسوري، اشتق هذا الاسم من بلدة يقال لها سوريا يسكنها القبط والسريانيون. وليس إنما نسب الهندي إلى بلد الهند، والسوري إلى بلد سوريا على أن هذين (1) البلدين ينبت فيهما سنبل، لكن لان الجبل الذي ينبت فيه هذا السنبل متوسط بين هذين (2) البلدين لان جهة منه تلي بلد الهند، وجهة أخرى تلي بلد سوريا. فما كان من السنبل نابتا من الجهة التي تلي الهند سمي هنديا، ومن كان نابتا من الجهة التي تلي بلد سوريا يسمى سوريا. ووصف المختار من السوري فجميع ما وصفنا به المختار من الهندي من قربه من بنيانه الذي يخرج منه، وخفته وسرعة انفراكه ووفارة أصله وصغر سنبله وشقرة لونه ومرارته التي في طعمه وتجفيفه اللسان وذكاء رائحته وعطريته وقربه من رائحة السعد وثبات رائحته في الفم إذا مضغ وقتا طويلا.
وأما المعروف بالهندي فقسمه أيضا على ضربين وقال: إن منه نوعا أدخل في الجبلي الذي ينبت فيه وهو مشاكل للسوري في جميع أحواله من صورته وكيفياته وطبعه وقوته وفعله. ومنه نوع يقال له