يقوى بها على تسكين الحرارة، وإن كان ذلك زائدا في تفجيجه وبعد انحداره، إلا أن يكون المستعمل له قد تحشفت (1) معدته وغلبت عليها الحرارة واليبوسة، فيعين ذلك على هضمه ويصير محمودا مسكنا لحرارة الكبد من قبل أن المعدة إذا صارت إلى مثل هذه الحال من الحرارة واليبوسة، لم يكن بد للكبد من أن يناله بعض ذلك. وإذا أخذ التوت على الريق مبردا بالماء أو بالثلج، قطع العطش وسكن الالتهاب ولا سيما إذا كان في التوت بعض المرارة.
ولجالينوس في التوت فصل بديع قال فيه: إن في التوت الحلو قوة مسهلة مشاكلة لقوة الأدوية المسهلة، إلا أنها ضعيفة ولم يوضح السبب في ذلك. وليس بمنكر أن تكون مثل هذه القوة في التوت النضيج على ما في شجره من الخواص العجيبة، لأنا نجد في لحاء (2) هذه الشجرة وأغصانها وورقها مرارة وحدة يجلو بها ويقطع ويقتل الدود العريض، المعروف بحب القرع، ويخرجه من البطن. وإذا دق ورقها وحمل على السرة، فعل مثل ذلك. وإذا دقت عروقها وطبخت وشرب ماؤها، لين البطن وأخرج الدود وحب القرع. وإذا دق قشرها وورقها وطبخا، وتمضمض بمائها وأمسك في الفم ساعة، نفع من وجع الأسنان. وإذا طبخا بطلاء واتخذ منهما غرغرة، نفعت من البلة المنحدرة إلى اللهاة واللوزتين.
وإذا طبخ ورقها مع ورق الكرم وورق التين اليابس بماء المطر، سود الشعر. وإذا شرب من عصارة الورق قدر أوقية ونصف، نفع من نهش الرتيلاء. وإن حفر الانسان عن أصل هذه الشجرة وشرط شرطان، وترك ليلة، وجد في الشرط بالغداة رطوبة جامدة تنفع من وجع الأسنان، وتسهل البطن. وإذا سحق أصل هذه الشجرة وجعل في خل ثقيف وصير في الشمس أربعة عشر يوما وجفف وسحق وحمل على الأضراس المأكولة، قلعها كلها. ومما يدفع ضرر التوت أن يغسل قبل أكله بالماء مرات، ولا يؤكل إلا على الريق على خلاء من المعدة ونقاء من الفضول منها، لأنه إذا استعمل على هذه المثال، اكتسب من الماء برودة ليسكن بها الحرارة ويغذو، وبعدا من الفساد لنقاء المعدة وقوتها على هضمه، وأمن صاحبه إضراره بالمعدة والرأس.
ولديسقيريدس في التوت النضيج قول قال فيه: إن عصارته إذا طبخت في إناء من نحاس ووضعت في الشمس أياما حتى تنعقد، كان أشد لقبضها. وإن خلط معها يسير من عسل، كانت صالحة للورم العارض للعضل الذي على جنبي الحنك وأصل اللسان. وإن صير فيها شب (3) يماني ويسير من عفص وزعفران وثمر الطرفاء (4) وأصول السوسن المعروف بالايرسا (5) وكندر وسعد، كان أقوى لفعلها.
ولك أن تزيد في هذه العقاقير وتنقص على ما تراه من مزاج المتعالج بها، لأنا قد وجدنا بعض المتطببين قد أزال هذه الايرسا والسعد والكندر، وصير بدل العسل سكر طبرزد.